أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنّة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (17 جمادى الأولى 1445)، إلى التغيّرات التي طرأتْ على العالم مقارنة بالماضي، معتبرا “اتخاذ رؤية جديدة”، من متطلبات الأوضاع الراهنة، كما أوصى فضيلته الأنظمة وحكومات العالم بضرورة التغيير في السياسات والأساليب والحركة وفقا لظروف العالم الجديدة.
المجتمع الدولي مسؤول تجاه عجزه من إيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية
وأضاف فضيلة الشيخ قائلا: إن الظروف الراهنة التي يعيشها العالم تختلف كثيراً عمّا كانت عليه ظروف الماضي، وإن شعوب العالم اليوم ليسوا شعوب الأمس والقرن الماضي، والبشر المعاصر يتمتع بالوعي والذكاء ولا يتأثر بالتعصبات الطائفية والقومية، بل الإنسان المعاصر يحكم بناء على الحقائق التي يراها، ويجب على الحكام والعلماء في كل دول العالم أن يشاهدوا حقائق العالم. إن الوضع الحالي للعالم يحتاج إلى رؤية عالمية جديدة للتعرّف على أفكار الناس، فاليوم لا أحد يستطيع أن ينكر الحقائق، والشعوب لا يتحركون ضد الحقائق.
وتابع فضيلته قائلا: خلال الحرب الإسرائيلية الفلسطينية في غزّة، يرى الناس الظروف والحقائق، وربما كانت ظروف العالم الماضية تسوق نحو اندلاع الحروب بهدف فتح البلاد، لكن ظروف العالم الراهن لا تسمح بذلك، ولذلك يراقب الناس مشاهد الحرب في غزة، وسوى المتدينين المتطرّفين من اليهود، يحتجّ سائر اليهود في العالم وجميع شعوب العالم في أوروبا والدول الإسلامية وغير الإسلامية على هذه المشاهد.
وأضاف خطيبُ أهل السنة في زاهدان قائلا: ما تفعله إسرائيل في غزة هو لضرر الشعب الإسرائيلي، وإذا فعل الشيء نفسه الشعب الفلسطيني أو أي حكومة في العالم، فسينتهي الأمر بضررهم، لأن الناس لا يتحملون المجازر وتدمير المدن في عصرنا.
واستطرد: إن الظروف العالمية وشعوب العالم لا تقبل أن يقوم من يمتلك قوة أكبر ويمتلك أسلحة حديثة ومدمرة وأكثر تقدما، باستخدام هذه القوة والأدوات ضد الآخرين، لأن ظروف العالم الراهنة هي ظروف الحوار والعقلانية.
وأضاف فضيلته متسائلا: لماذا يستمر النزاع في فلسطين خمسة وسبعين عاماً ولا يستطيع الفلسطينيون والإسرائيليون والمجتمع الدولي التوصّل إلى حل أساسي؟! يجب أن يحاسب المجتمع الدولي كله، ولا سيما أولئك الذين يدعمون إسرائيل دون أيّ قيد أو شرط. عليهم أن يجيبوا العالم لماذا لم يتمكنوا من إقناع إسرائيل. إذا قُتل فلسطيني أو إسرائيلي أو يهودي فكلّهم بشرٌ، ولماذا يُقتلون وتُسفك دماؤهم؟! يجب حلّ هذه القضايا وإعطاء الجميع حقوقهم.
“الظلم” و”احتلال فلسطين” هما من جذور الإرهاب والتطرّف في العالم
وأعرب فضيلة الشيخ عبد الحميد عن أسفه لاستئناف الحرب في غزة وقال: نحن نأسف بشدة لأن الحرب قد استؤنفتْ في غزة من جديد اليوم، وغزة تعرضت لأضرار جسيمة، وهي تتعرض للقصف. نحن والعالم كله نكره هذه الحرب، وحتى الحكومات الموالية لإسرائيل ساخطة من سلوك إسرائيل وتقول: إنه يجب إيقاف إسرائيل، لأن هذه الحرب المدمّرة ليست في مصلحة إسرائيل ولا في مصلحة أي أحد.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: لقد سبق أن قلت مرارا إن جذور الإرهاب والعديد من التطرف وظواهر العنف في العالم، تعود إلى الفظائع والمظالم واحتلال الأراضي الفلسطينية. إن الظلم والوحشية والجرائم هي مصدر الإرهاب والتطرف والتكفير، وتطبيق العدالة ورؤية الحقائق هو أفضل وسيلة لمحاربة الإرهاب والتطرف في العالم، وهذا يساعد على أمن العالم.
وأكد فضيلته قائلا: ظروف العالم المعاصر ليست ظروف الحرب، ويجب على العالم تجنب الحرب بشكل صارم، ونأمل أن نشهد نهاية الصراع المستمر منذ ٧٥ عاما في فلسطين وإعادة الأراضي المحتلة إلى الفلسطينيين وحل هذا الصراع إلى الأبد.
سررنا بحسن معاملة حماس مع الأسرى الإسرائيليين
كما أعرب فضيلة الشيخ عبد الحميد عن سروره بحسن معاملة حماس مع الأسرى الإسرائيليين، وقال: كنت قلقاً كيف تكون معاملة حماس للأسرى الإسرائيليين، ولكن الذي جعلني أشعر بالسرور أن الأسرى قالوا: إن قوات حماس احترمهتم، وهذا يثير فينا السرور والسعادة، لأن فيه اتباع الشريعة الإسلامية في هذا المجال، وإذا تم اتباع تعاليم الإسلام في جميع المجالات، فسوف تتأثر بها شعوب العالم، لأن طريق الإسلام هو طريق الفطرة السليمة.
وأضاف فضيلته قائلا: الإسلام دين الرحمة والعدل والإنصاف، وإذا لم يكن هناك رحمة ومغفرة، فلا شيء في الإسلام. الإسلام دين الإنسانية؛ ولدينا قواسم مشتركة مع جميع شعوب العالم، وينبغي دائمًا أخذ هذه القواسم المشتركة في الاعتبار.
التفكير المذهبي لا يحل مشكلات البلاد
وتابع قائلا: لقد صرحت مرات عديدة أن نطاق “المذهب” محدود، و”التفكير المذهبي” لا يناسب في أي بلد، وخاصة في البلدان الكبيرة التي يكثر فيها عدد السكان، وتتنوع فيها الطوائف ووجهات النظر والأفكار، فعلى الأقل ينبغي أن يكون التفكير فيها إسلاميا، لأن الفكر الإسلامي هو فكر عام يضم المذاهب كلها، والفكر الإنساني هو أيضاً فكر عامّ، وإذا كانت الأفكار الإسلامية متوافقة حقاً مع الإسلام، فهو نفس الفكر الإنساني، فالإسلام يقول: إنه يجب على الجميع أن يفكروا في الإنسانية وأن دين كل شخص ومعتقداته مرتبطة به وهو المسؤول أمام الله تعالى عنه.
وأكّد خطيبُ أهل السنة في زاهدان قائلا: من فكر “إنسانياً” أو “إسلامياً” يستطيع أن ينال مرضاة كل الأمم والشعوب.
وأضاف: يجب أن تحترم حقوق الجميع، ولقد أعطى الإسلام هذا التعليم بأنه لا ينبغي إهانة الأسرى والسجناء والمعتقلين، ويجب احترامهم وإعطاؤهم نفس الطعام الذي نأكل منه بل وأفضل منه، بحيث لو تم إطلاق سراحهم من الأسر والسجن، يتأثروا بسلوكنا ويدعوا لنا بالخير والصلاح. لا ينبغي الإهانة، لأن إهانة الأسرى وإذلالهم أمر مخالف لتعاليم الإسلام، وإن معاملة الأسرى والسجناء بشكل جيّد لها تأثير إيجابيّ في جميع أنحاء العالم.
النجاح في عصرنا مع من يتحرك وفقا لظروف العالم
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: النجاح في عصرنا يكون مع الذي يتحرك وفقا لمقتضيات العصر وظروف العالم. لقد سبق وأن حذرتُ المراكز العلمية الشيعية والسنية عدة مرات من أن أحوال العالم قد تغيرت، وإذا لم تغيروا أنفسكم مع ظروف العالم الحالية، ولم تعيدوا النظر في أساليبكم، فسوف تواجهون مشكلات في المستقبل، وسوف يتخلى عنكم الشعب، فلم تعُد خطط وأساليب الماضي تجدي نفعاً في عصرنا، والحاجة شديدة إلى آليات جديدة. فإذا لم تأخذ حكومات العالم الظروف الجديدة ولم تغير نفسها، فسوف يتخلى الشعوب عنها.
وأكد فضيلته قائلا: يجب أن نراعي شباب عصرنا، واليوم غالبية سكان بلادنا هم من الشباب، ومقارنة بأمثالنا فإن هؤلاء الشباب لديهم آراء وتوقعات مختلفة، ويجب أن نأخذ هذه المسألة بعين الاعتبار، كما أن المرأة المعاصرة لديها أفكار وأخلاق مختلفة عن المرأة الماضية، ولذلك يجب علينا أن ندرك الشباب والمرأة والمجتمع كله.
وأضاف خطيب أهل السنة قائلا: ما يقال إن العالم كله اليوم مرتبط عبر وسائل التواصل، كلام صحيح. فعالم اليوم هو عالم مختلف. لقد نصحتُ الآباء والإخوة مرات عديدة أن الطريقة والتقاليد القديمة لن تعمل الآن، ويجب عليكم استشارة الفتيات فيما يتعلق بالزواج وطلب رأيهن، كما أوصت الشريعة الإسلامية. ينص الإسلام على أن صاحب القرار الرئيسي في شؤون الزواج هو الفتاة نفسها، ولا يجوز للأسرة إجبارها أو تهديدها دون موافقتها. ربما كان هناك وقت تغلبت فيه الثقافات المحلية على التعاليم الإسلامية، لكن الآن يجب اتباع الثقافة الإسلامية حتى لا تكون هناك مشكلات.