أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (29 جمادى الثانية 1445)، إلى بدء النظر في دعوى قضائية رفعتها حكومة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بشأن “الإبادة الجماعية في غزة” في محكمة لاهاي، مؤكدا على أن محكمة لاهاي إن كانت تتمتع بـ “الاستقلال”، ستدين إسرائيل وتأمر بـ “الإيقاف الفوري لإطلاق النار” في غزة.
إسرائيل ترتكب في غزة “إبادة جماعية” و”جريمة حرب”
وأضاف قائلا: في هذه الأيام، تنظر محكمة العدل الدولية في قضية “الإبادة الجماعية” التي ارتكبتها إسرائيل في غزة. لا شك أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في غزة؛ لا يقبل العقل والمنطق أن يدمر جيل بسبب تصرفات بعض العسكريين. يجري في غزة قتل الأبرياء والنساء والأطفال، وتدمر المنازل والزراعة وحياة الناس. لقد نزح مليونا شخص وأصبحوا بلا مأوى؛ فمن أين يجدون لأنفسهم الماء والخبز في هذا الطقس البارد؟!
وتابع فضيلته قائلا: إذا كانت محكمة العدل الدولية مستقلة حقًا، وإذا كانت قضاة هذه المحكمة يتمتعون بالشجاعة والحرية، فسوف يدينون إسرائيل ويصدرون أوامر فورية بوقف إطلاق النار حتى يتمكن سكان غزة من مواصلة عيشهم بهدوء وطمأنينة، مع أنه الآن لم يبق شيء للعيش في غزة، فكل شيء قد جرى تخريبه وتدميره.
وأضاف خطيب أهل السنة: الولايت المتحدة وكل الحكومات التي دعمت إسرائيل دون قيد أو شرط، ولم تمسك بيد إسرائيل، هي أيضاً مذنبة ومسؤولة أمام الله والعالم أجمع، والآن السبيل الوحيد هو تشكيل حكومة فلسطينية مستقلة وإعادة الأراضي المحتلة إلى الفلسطينيين، وأن يحكم الفلسطينيون أرضهم ومصيرهم؛ فهذا هو الحل الوحيد الذي سيهدئ قلوب كل أحرار العالم الجريحة.
وأكد فضيلته قائلا: أطرح هذه الكلمات بحيادية ونزاهة، ونصيحتي للجميع أن يحكموا بحيادية ونزاهة في جميع القضايا، كما نوصي بإطلاق سراح الأسرى، ونأمل أن تنال أرض فلسطين استقلالها وينتهي الصراع المستمر منذ عقود في هذه الأراضي.
لو قام المسؤولون بحل قضيتي إسقاط الطائرة الأوكرانية ومجزرة مصلى زاهدان لتسلت قلوب الشعب
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في جزء آخر من خطبته إلى ذكرى إسقاط الطائرة الأوكرانية في إيران، وتابع قائلا: تتزامن هذه الأيام مع أيام إسقاط الطائرة الأوكرانية التي فقد فيها الكثير من مواطنينا الأعزاء أرواحهم، وأنا أقدم التعازي لجميع الذين فقدوا أحباءهم في هذا الحادث.
وأضاف فضيلته قائلا: هذه الحادثة كانت خسارة كبيرة وقضية مهمة، وفي القضايا المهمة من المناسب أن يتوقف المسؤولون عن جميع أعمالهم ويحلوا مثل هذه القضايا بسرعة، فلو كانت هناك خطة لهذه القضية، لما ظهرت هذه المشكلات اليوم بأن يراجع عوائل ضحايا هذه الحادثة المؤسفة إلى الدول الأوروبية ويترددوا من محكمة إلى أخرى ويرفعون شكاوي قضائية؛ لأن هذه الترددات تضر بسمعة البلد.
وصرّح خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: ليت المسؤولين الكبار يعتذرون ويدينون هذه الجريمة. يقول المسؤولون الآن: كان ذلك خطأ. إن كان خطأ ولكن كل خطأ له حدوده؛ في بعض الأحيان يموت شخص بسبب خطأ بالنسبة إلى دراجة هوائية أو دراجة نارية، وأحيانا طائرة، ولا شك أن الأخير خطأ كبير، ومن وجهة نظر الإسلام يجب معاقبة مرتكبي هذه الجريمة، ثم وفقا للقوانين الإسلامية لا يعاقب القاتل فقط، بل يعاقب عاقلة القاتل بأكملها على القتل الخطأ ويجب عليهم دفع فدية الضحية، لأن العاقلة لم تستطع التحكم على الشخص المجنون والقاتل الذي ارتكب القتل، فإذا كان هناك من بين القوات الأمنية من ارتكب مثل هذا الخطأ الكبير بسبب الإهمال، فهذه جريمة وعلى مرتكبيها عقاب شديد.
وتابع قائلا: وقعت جريمة في مصلى زاهدان، قتل فيها مائة شخص وأصيب ما يقرب من ثلاثمائة شخص بجروح شديدة، وتقطعت وأُصيبت أحبالهم الشوكية، وكان من المتوقع أن يدين أعلى شخص في البلاد هذه الجريمة. فلو طبقت العقوبات الإسلامية في حادث الطائرة الأوكرانية لارتاحت قلوب الشعب، وكان ذلك أفضل من نقل الشكاوي إلى بلدان أخرى.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: منظمات حقوق الإنسان تعترض على الكثير من الملفات في البلاد، ونعتقد أن حقوق الإنسان تتفق مع الإسلام في الكثير من القضايا، ونفس الحقوق التي تهتف بها منظمة حقوق الإنسان للشعوب مثل العدل، وتوفير الحريات، والاجتناب من الاعترافات القسرية في مراكز الاحتجاز وغيرها، يؤيدها الإسلام أيضًا. لم تقم السلطات بالتعامل مع هذه القضايا، وتضررت سمعة البلاد اليوم.
واستطرد فضيلته قائلا: فقدت عملة البلاد قيمتها وأصبحت كورقة بلا قيمة؛ إذا وقعت في مكان ما، لا يرغب أحد في التقاطها. لماذا وصلت عملة البلاد إلى هذا المستوى؟! لماذا أصبح الشعب الإيراني يواجه مشكلة وقلق بسبب شراء الخبز؟ هذه ليست مكانة هذا الشعب وهذا البلد، فالشعب الإيراني ليس أقل من الشعوب الأخرى، وإذا قلنا: إن هذا الشعب يتقدم على كثير من الأمم والشعوب فلم نبالغ في ذلك. نحن نريد الخير للجميع ونقول هذه الكلمات من باب الخير.
لا أريد الجدال السياسي ولا أسعى إلى المناصب
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: ذكر أحد المسؤولين في مكان ما أن فلاناً دخل في سجال سياسي، بينما لست أسعى للجدال السياسي على الإطلاق ولا أريد مناصب ومصالح شخصية؛ لم أطلب المناصب والمكاسب لنفسي في الماضي، ولن أسعى إلى ذلك في المستقبل، ويكفيني أن هؤلاء الناس يثقون بي ويصلون خلفي، فأنا اعتبر ذلك من فضل الله وهذا يكفيني، وإذا قال الشعب يومًا: إننا لا نرضى بالصلاة خلفك، فسوف أترك خدمة الإمامة أيضًا.
وأضاف: ما دام الناس يصلون خلفي، فأنا أصلي بهم في هذا المسجد وفي المصلى، نصلي ونعبد الله، وهذا فضل الله عز وجل. حينما أطرح هذه المسائل أتعرض للضغوط من قبل البعض، لكن ضميري يجبرني على الدفاع عن حقوق الناس وأعتبر هذا واجبي.
وأكد فضيلته قائلا: نحن لا نعتقد بالفرق بين أفراد الشعب الإيراني، سواء كانوا شيعة أو سنة، مسلمين أو غير مسلمين، نحن نقول إنه ينبغي احترام الحريات التي منحها الإسلام والدستور لكافة الناس، ونقول: إن المناصب العامة يجب أن تفوض إلى مؤهلين وأكفاء، ويجب أن يرضى الشعب، ويحظى الوطن والشعب بمكانتهما الخاصة.
وفي نهاية كلمته أكد فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: نصيحتي للجميع أنهم إذا رأوا أي تصرف أو سلوك خاطئ صدر من أمثالي، فلا يسجلوه على حساب الدين والرسول والصحابة وأهل البيت، ولا يسيئوا إلى الدين، وليس من الحكمة أن نسيء إلى الدين بسبب تصرفات الناس الخاطئة. الإسلام دين بناء يحمل العديد من الإمكانات والقيم لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.