أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (27 شعبان 1445)، إلى انتخابات مجلس الشورى في البلاد، وإلى أن الأغلبية الساحقة من الشعب لم يشاركوا في هذه الانتخابات، مؤكدا على ضرورة دراسة علل هذه القضية.
لم تتمكن عملية الاختيار من جلب مديرين أكفاء
وأضاف فضيلة قائلا: جرت انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة، ولا تزال هناك شائعات وأقاويل حول هذه الانتخابات في المجتمع. يزعم البعض أن الشعب الإيراين ضد الدين والنظام الإسلامي، ويقال أشياء أخرى عن شعب إيران، لكن الحقيقة هي أن شعب إيران شعب واع وصبور للغاية، وهم من أفضل الشعوب في العالم.
وتابع قائلا: صبر الشعب الإيراني طويلاً؛ تمرّ خمسة وأربعون عاماً على الثورة الإسلامية في إيران، صوّت هذا الشعب بآمال وأحلام لصالح الجمهورية الإسلامية، وبعد ذلك ظلوا حاضرين بشكل قوي في كل الميادين، ولا سيما في الانتخابات، لكن في الآونة الأخيرة، شهد هذا الحضور تراجعا كبيرا، وبالطبع فإن هذا التراجع لا يقتصر على هذه الفترة، بل منذ فترات انسحب فيها كثيرون من المشهد الانتخابي، وهو ما يتطلب دراسة العلل، ومن العادة في العالم أنه عند مواجهة أي أزمة أو مشكلة، يقومون بدارسة عللها لأجل التصدي لأزمة أكبر.
وأشار خطيب أهل السنة في زاهدان: إن سبب التراجع في الانتخابات هو اعتقاد الناس أن طريقة الاختيار الموجودة للمرشحين في إيران لم يتمكن من تعيين مديرين أكفاء وجديرين، ويقول الشعب: إنه مثلما يختار الشعوب في العالم ممثليهم، فإن الشعب الإيراني يعرف أيضًا جيدا الرجال المريدين للخير في المجتمع ويجب أن يختارهم.
وأضاف: ممثلو مجلس الشورى هم ممثلو الشعب، وعلى الشعب أن يختارهم، ولكن الآن بعد أن تم تعيين مؤسسة تختار الممثلين، فإن معظم الشعب يرفضون عملية هذا الاختيار، ويعتقدون أنها لم تقدر على إيصال أناس أكفاء لتصدي كراسي المجلس، وعملية الانتخابات في الحقيقة تكرار للماضي، وتكرار الماضي لا يجدي نفعاً.
من لم يصوتوا في الانتخابات ليسوا “ضد الدين والوطن” ولا “عملاء”
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: معيار الالتزام بالإسلام في اختيار الأشخاص مطلوب عندما يراد تعيين إمام لمسجد، أما بالنسبة لرئاسة الجمهورية وممثل البرلمان فإن المعيار الأساسي يجب أن تكون القدرة والكفاءة، ليكون قادرا على إدارة البلاد، ليس أن ينفلت كل شيء من سيطرته، كما هو الحال اليوم، حيث ترك اقتصاد البلاد بحاله، وهبطت قيمة العملة، وأصبحت الحياة صعبة على الشعب، لذلك ينبغي أن تكون الكفاءة هي المعيار في اختيار ممثلي ومديري البلاد، وليس القوم أو الدين أو الحزب أو الفصيل، ويجب أن يكون الموافق والمخالف حاضرين في البرلمان ليتخذ القرار الصحيح؛ وهذا لصالح البلاد.
وأكد فضيلته قائلا: في الانتخابات الأخيرة قاطع الكثيرون الانتخابات ولم يصوتوا، وهم ليسوا ضد الدين والوطن، ولا ينتمون إلى سلطة ما، ولكنهم ينتمون إلى أغلبية هذا الشعب.
لم تشارك أغلبية الشعب في الانتخابات الأخيرة؛ ولا بد من دراسة علل هذا الغياب
وقال خطيب أهل السنة في زاهدان: إن ما أثار شكوى الشعب أو سخطهم هو أن السلطات لم تستمع إلى كلمات وصرخات الشعب، وللأسف لم تكن هناك أذن صاغية تسمع الكلام وتتحاور وتتفاوض وتدرس المشكلات.
وصرح فضيلته: حسب الإحصائيات المنشورة في البلاد، فإن الأغلبية الساحقة من الشعب لم تشارك في الانتخابات الأخيرة، وينبغي التحقيق في سبب عدم المشاركة ودراسته. عليكم أن تجلسوا مع هؤلاء الشعب وتتحدثوا عن مصدر المشكلة وتفكروا بشكل أساسي لحلها، ومن الرائج في العالم تشكيل اجتماعات بحضور مجموعات مختلفة يقومون فيها بدراسة القضايا وفحصها والاستماع إلى الشعب. إن الاستماع لكلام الشعب أمر حيوي ومهم وفي اتجاه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نشكر الشعب الإيراني على استجابته الرائعة لمساعدة منكوبي فيضانات جنوب بلوشستان
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في جزء آخر من كلمته إلى الفيضانات الأخيرة التي شهدتها جنوب سيستان وبلوشستان، كما أشاد بمساعدات الشعب لمتضرري الفيضانات، وقال: إن الفيضانات الأخيرة في منطقة “دشتياري” خلفت الكثير من الأضرار والخسائر، لكن مساعدة الشعب كانت جيدة في هذا الحادث، ونشكر كل من اهتم وساعد ضحايا الفيضانات بأي شكل من الأشكال وندعو لهم، ونحن ممتنون بشكل خاص لجميع مكونات الشعب الإيراني، وخاصة لأهالي “سيستان وبلوشستان” و”طهران” و”كرج” وغيرها من المناطق، ولإخوتنا الأكراد الأعزاء الذين نظموا واهتموا بحملة لجمع المساعدات لمنكوبي الفيضانات، كما نشكر فرق الإغاثة التي توجهت إلى دشتياري من مدينة زاهدان وغيرها من المدن.
وأضاف فضيلته: في الآونة الأخيرة ازداد تعاطف الشعب الإيراني مع بعضه البعض، وهذا خير عظيم. لا توجد بعد قدرة الله تعالى التي لا يمكن مقارنتها بأي قوة أخرى، قوة أكبر من القوة التي وضعها الله تعالى في الشعب.
وتابع فضيلته قائلا: لقد تكاتف الشعب وتعاطف بعضهم مع البعض في كل ما حل بالبلاد من مصائب ومشكلات في الماضي. من المهم التعبير عن التعاطف، وهذا التعاطف يخفف المعاناة ويقلل الضيق ويريح المصابين والمنكوبين ويجعلهم لا يشعرون بالوحدة، والحمد لله إن الشعب الإيراني العزيز لم يتكاسل في هذا المجال؛ نسأل الله تعالى أن يقرب هذا الشعب بعضه من بعض وأن يوفقه في التقدم في جميع المجالات.
على الخبراء الاهتمام بتجارب السكان المحليين للتصدّي من أضرار الفيضانات
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: من أهم احتياجات سكان هذه المناطق الآن هو المساعدة في إقامة السدود حول القرى والعناية بالبنية التحتية، فلا بد من إعادة بناء البنى التحتية التي دمرت، وبناء البنى التحتية المطلوبة المناسبة من أهم الاحتياجات الأساسية لتلك المنطقة، وهناك حاجة إلى الآلات والأجهزة الثقيلة للقيام بهذه المهمة، وطبعاً في الفيضان الأخير الذي شهده جنوب المحافظة، بذل الشعب جهوداً كبيرة، لكن المنطقة واسعة ولا تزال بحاجة إلى المزيد من العمل.
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: يوجد حل للوقاية من الفيضانات في هذه المنطقة والحل سهل للغاية، بحيث أنه بتكلفة بسيطة ومع الإدارة السليمة والخبرة يمكن منع العديد من المصائب والبلايا، ويمكن تخزين نفس المياه دون الإضرار بالبيئة. قلت مرة خلال الفيضانات السابقة التي شهدتها جنوب بلوشستان، وفي اجتماع المجلس الإداري للمحافظة الذي عقد في تشابهار بحضور الرئيس السابق: إن الخبراء الذين يأتون إلى هذه المنطقة يجب أن ينتبهوا إلى تقاليد وآراء السكان المحليين وأخذ تجاربهم بعين الاعتبار، فلو اعتمد الخبراء فقط على معلوماتهم وتجاهلوا تقاليد وتجارب السكان المحليين، فلن ينجحوا في مهمتهم، لأن هذه التقاليد طبيعية والبشر لديهم دائمًا المعرفة التي اكتسبوها من خلال التجربة.
وأضاف فضيلته قائلا: هناك تجارب في هذا المجال لا يملكها خبراء الجامعة، والبيوت المبنية بالطرق التقليدية سلمت من أخطار الفيضانات، لكن المنازل التي بنته مؤسسة السكن، أو المدارس التعليمية والمباني الإدارية والحكومية التي بنتها المنظمات والمؤسسات، هي من أوائل المباني التي دمرت في هذا الفيضان، لأنه لم تتم الاستفادة من خبرات سكان هذه المنطقة في بناء المباني.
وأضاف خطيب أهل السنة في زاهدان: إذا تمت الاستفادة من تجارب السكان المحليين يمكن السيطرة على مياه الأمطار التي تؤدي إلى سيول وفيضانات. قام أهالي “دشتياري” و”باهوكلات” و”زرآباد” وغيرها في الماضي بالتحكم في هذه المياه عن طريق بناء العديد من السدود. لقد كان إنشاء آبار لتخزين المياه إحدى أمنيات أهالي هذه المناطق منذ زمن طويل لتخزين فائض الأمطار والمياه الفائضة من السدود داخل هذه الآبار، وإنشاء ممر لتدفق المياه الفائضة إلى البحر، لذلك يجب على الخبراء استخدام الخبرات المحلية وتطبيق معرفتهم المتخصصة لحل مشكلات سكان منطقة دشتياري.