تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة هذه الجمعة التي ألقاها أمام عشرات الآلاف من المصلين، بعد تلاوة قول الله تعالى “وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» [نحل:95-96[ إلى لزوم العمل على الشريعة والاستعداد للآخرة، واصفا تطورات العالم والتغييرات التي تحدث فيها بأنها دليل على زواله.
وأضاف قائلا: كثر الموت في الناس ويرى الناس كثرة مسافري الآخرة، وأصبح الموت والمقبرة شيئا عاديا لهم، وأصبحوا غافلين عن مسائل الموت والآخرة. في الماضي كان الموت يهز الناس وكان عبرة للباقين. وعندما كان يتوفى شخص، يدعو له الجميع ويذهبون لتعزية أسرته وأهله. لكن اليوم غادرت هذه الفكرة حياة المسلمين. لا فرق عند الكثير منا بين البيت والمقبرة. الغفلة تعم المكانين، ونضحك بأصوات عالية. كما نفكر في البيت والسوق لتجارتنا، كذلك نتحدث في المقبرة عن تجارتنا وأعمالنا، ولا نفكرفي أننا أيضا سنموت يوما ويودعنا غيرنا إلى القبر.
واعتبر فضيلة الشيخ عدم الاهتمام بالمسؤولية من نتائج الغفلة قائلا: الغفلة التي تعم المجتمع أن لا يعلم الإنسان مسؤوليته ولا يعمل بمسؤولياته، ولا يفكر لماذا أتى إلى الدنيا؟ الإنسان الذي لا يعرف فرائضه الشرعية ويقصر في عبادة ربه، ولا يلتزم الصلاة، ولا يعمل بأحكام الشريعة في حياته، سيلقى في حياته خسارة كبيرة. الغفلة يعني أن ندفن أعزتنا بأيدينا ونسمع كل يوم بموت الكثيرين من الناس، ونرى الجنائز، ولا تهتز لذلك قلوبنا، ولا تجري أعيننا بالدموع.
وتابع فضيلته مشيرا إلى زوال الفرص: علينا أن نشتغل بتلاوة القرآن الكريم وذكر الله تعالى ما دمنا في صحة وعافية، وندخر من الأموال والثروة لآخرتنا. لأن هذه الفرص لا بقاء لها، وهي محدودة ولا يعلم متى تنتهي حياتنا. عندما نرحل من الدنيا، فلا فائدة في التأسف والتحسر.
قال فضيلة الشيخ عبد الحميد في شرح آية “وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ”: يرشدنا الله تعالى في هذه الأية أن نكون أوفياء بالعهود التي قطعناها لربنا. لما كان من أهل العوامل التي كانت سببا لنقض العهد هي المنافع المادية، قال الله تعالى: “ما عندكم ينفد وما عند الله باق”. يبقى أجر الحسنات والصالحات التي تعملونها لكم يوم القيامة.
وأضاف فضيلته: خير الزاد للآخرة أن يستغل الإنسان الوسائل كلها للآخرة، ويقضي أوقات عمره وساعاته في ذكر الله وعبادته، ويخصص ساعات من عمره للمناجاة مع الرب تبارك وتعالى، ويفكر دائما حول القبر والقيامة، ويعمر آخرته عن طريق الصلة مع الرب تبارك وتعالى.
واعتبر مدير جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان “تربية الأولاد الصالحين” ذخرا للآخرة، قائلا: يخطط الوالدان لدنيا أولادهم وأن لا يخجلوا ماديا أمام غيرهم فيدعمونهم ماليا، لكنهم غافلون عن آخرتهم وأن ينجو أولادهم من العذاب الإلهي. يجب أن نفكر في إصلاح وتربية أولادنا، ونعلم أن أولادنا أعظم ما نملك في الحياة.
وتابع فضيلته قائلا: عرف الصحابة قيمة حياتهم، وانتفعوا من فرص حياتهم لعبادة الله تعالى، وبذلك ثمنوا حياتهم ونالوا مرضاة الله تعالى ورضوانه. علينا جميعا أن نجعل العمل على الشريعة واتباع السنن المباركة للرسول الكريم أسوة حياتنا.
واعتبر فضيلته الصبر والاستقامة في الشريعة من خصائص السعداء، قائلا: إذا ارتكب إنسان الإثم والمعصية ولم يعمل بتعاليم الشريعة، فهذا دليل على قلة صبره. علينا أن ننتبه أن كافة التطورات التي تحدث في العالم دليل على زوال الدنيا وعدم ثباته. علينا أن ننتفع بكافة فرص الحياة لعبادة الله تعالى والاستعداد للآخرة.
الإنقلابيون في مصر عملاء للأجانب:
وفي قسم آخر من خطبته، وصف فضيلة الشيخ عبد الحميد الأحداث الجارية في البلاد الإسلامية والعالم العربي بـ”المؤلمة جدا”. وأضاف قائلا: مع الأسف، الكثير من رؤساء البلاد الإسلامية أصبحوا عملاء الأجانب ويخدمون سادتهم وهم فرحون في تلقيهم رسائل الشكر والتقدير من القوى الإستعمارية والاستكبارية، وينشطون ضد الإسلام.
وتابع عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قائلا: من المؤسف جدا أن ياتي القوات المسلحة في مصر بعد ما انتفض الشعب وأقام الثورة وضحى الشعب المصري بدمائهم وأرواحهم، إلى الميدان ويسرقوا ثورة الشعب بهذه الطريقة، ويقفوا في وجه الإسلاميين.
وأضاف خطيب أهل السنة في زاهدان: مع الأسف الاستبداد والديكتاتورية لم تزل موجودة في الأمة المسلمة، ويقوم قادة بعض البلاد الإسلامية للحصول على رضى أسيادهم الصهاينة بالخدمة الخالصة لهم. لنعلم جيدا أن الله تعالى يحمي الحق، والحق سينتصر، والباطل -في أي زيّ كان- سيهزم ويزول.
وأعرب فضيلته عن أمله بأن تشهد الأمة المسلمة ثمرات الصحوة الإسلامية، وتنقذ نفسها من أيدى أنظمة عميلة للأجانب، وتتولى الأمة المسلمة أمرها بيدها.
وأشار خطيب أهل السنة إلى حادثة انقلاب سيارة لأقرباء فضيلة الشيخ قمر الدين رحمه الله (الخطيب السابق في مدينة إيرانشهر ومدير معهد شمس العلوم الشرعي في هذه المدينة)، في طريقهم من مدينة خاش إلى زاهدان التي أدت إلى وفاة أربعة وجرح عدد من ركابها، مؤسفا على هذه الحادثة، وطلب المغفرة للمتوفين، والشفاء الكامل لجرحى الحادثة.