أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، خطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة هذه الجمعة، إلى مسؤولية الوالدين الهامة تجاه تربية الأولاد، موصيا إياهم بتربية أولادهم تربية إسلامية صحيحة.
تطرق فضيلة الشيخ بعد تلاوة آيات “ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا” و”ياأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم”، إلى بيان إعجاز القرآن الكريم، قائلا: إن الله تعالى من خلال الآيات الجميلة الرائعة القرآنية بيّن لنا رسالة عظيمة ومطلبا هاما. هذا الكتاب الذي يكلمنا الله تعالى من خلاله، لا مثيل له. كما أن الله تعالى ليس كمثله شيء، كلامه أيضا لا مثل له، وهو يتحدى أي كتاب وكلام في محتواه. كلام الملوك ملوك الكلام. فإن كان البشر يريد السعادة والنجاة، لا يمكن ذلك إلا من خلال توسله بكلام رب العالمين. الطرق كلها مغلقة أمام الإنسان إلا طريق واحد للنجاة، وهو الإتباع من القرآن الكريم والسنة النبويةن وقبول الدين الإسلامي الذي ضمن سعادة البشر إلى يوم القيامة.
وأضاف فضيلته قائلا: إن الله تعالى في هذه الآيات من سورة التحريم، بيّن مطلبا هاما. من دلائل إعجاز القرآن الكريم، الربط والمناسبة بين الآيات والسور بعضها مع بعض. إن سيدنا أبابكر الصديق رضي الله عنه الذي هو جامع القرآن الكريم ومدونه، جمع في عهد خلافته الآيات القرآنية في كتاب، وإن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع القرآن الذي أنزل على سبع لهجات في لهجة واحدة، لئلا يكون اختلاف بين الأمة المسلمة، ونشر هذا القرآن في كافة البلاد الإسلامية.
في بداية سورة التحريم ذكرت قضية تحريم النبي صلى الله عليه وسلم العسل على نفسه، نظرا إلى طلب بعض الأزواج المطهرات. ثم خاطب الله المؤمنين جميعا وقال: “ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجا رة”. لو تأملنا قليلا، فالنار التي تذيب الحجارة ويكون وقودها أجسام الناس ولحومهم، فيا لها من نار قذرة نتنة ومصيبة عظيمة. إن الله تعالى أشعل هذه النار بأجسام الكفار والذين سلكوا مسالك الشيطان، وحذرنا نحن أهل الإيمان وقال “قوا أنفسكم وأهليكم نارا”. الأهل يطلق على المرأة والأولاد ومن تحت كفالتكم ورعايتكم وأنتم تقومون بأمورهم. إن مسؤولية نجاة الجميع من هذه النار تقع على كاهلكم. هذه النار يقوم عليها ملائكة غلاظ شداد لا يرحمون أحدا ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، كما أخبر بذلك القرآن الكريم.
وتابع فضيلته قائلا: المطلب الهام الذي أشير إليه في هذه الآية، أن ننقذ نحن أنفسنا وأولادنا من نار جهنم. لكن كيف نستطيع أن ننقذ نحن أولادنا من النار؟ الطريق الوحيد للنجاة هو العمل على الدين الإسلامي والالتزام بأحكام القرآن الكريم وبما أمرنا من المعتقدات. لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة مخاطبا إياهم: “أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟” قالوا: نعم! ما جربنا عليك كذبا. قال: “فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد”. اعلموا أنه لا نجاة لكم إلا أن تعودوا إلى العقيدة الصحيحة وأن تتركوا عبادة الأوثان واعبدوا إلها واحدا.
وأردف رئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان: الرسول الكريم في المرحلة الأولى دعا أهل مكة إلى الاعتقاد الصحيح ثم إلى العمل الصالح. فإن كنا نبتغي نحن لأهلنا وأولادنا النجاة، فلا سبيل إلى ذلك إلا الإسلام؛ ذلك الدين الذي نسخ الأديان كلها، وهو آخرالأديان إلى يوم القيامة هاديا وموجها للبشرية كلهم. لأجل ذلك دعا الإسلام أتباع الديانات الأخرى أن يتبعوا القرآن الكريم وقال: “إن الدين عند الله الإسلام”. وقال: “ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه”. فعلينا أن نلجأ إلى الدين الإسلامي والنبي الكريم ونتبعهما، ونكون مسلمين صادقين، ولا نكون مسلمين في الدعوى. إن الله لا يقبل الإدعاء. علينا أن نتبع القرآن والسنة بكل الوجود، ونبتعد عن الخرافات والخزعبلات والتقاليد الباطلة، ونتبع الفقه الإسلامي وفتاوى كبار العلماء الذين يقبلهم الجميع.
وأكد فضيلة الشيخ عبد الحميد على مراعاة حقوق الله وحقوق العباد قائلا: لا تنسوا مراعاة حقوق الناس ولا تهريقوا الدماء، ولا تأكلوا أموال الناس بالباطل. لا تتكبروا ولا تعتدوا على الآخرين. واجتنبوا المنكرات والمعاصي. لأن معاصينا هي التي تسلط علينا الشيطان، وتبعدنا عن الله تعالى، وتكون سببا لقساوة قلوبنا، وتعطي للشيطان الفرصة أن تهجم الإنسان. هذه هي الغفلة التي تسبب أن ينسى الإنسان الأحكام الإلهية ويشتغل باللهو واللعب. البعض من الناس يضيعون أوقاتهم في مشاهدة المسلسلات التلفزيونية وأنواع من الألعاب. لا ينبغي أن يهضم مسلم في البرامج الفضائية والمسلسلات، حيث يغفل ذكر الله تعالى والصلاة؛ لأن هذه تعتبر غفلة وهي محرمة، وهذا الإنسان لو لم يتب ولم شمله العفو الإلهي يبتلى بعذاب الله تعالى.
وتابع فضيلته قائلا: علينا أن نربي أولادنا تربية إسلامية، ونعلمهم أخلاق الصالحين وأعمالهم؛ لأن الأولاد ثرواتنا والباقيات الصالحات للوالدين إذا تعلموا الشريعة وتخصصوا في العلوم العصرية وخدموا المجتمع. على الآباء أن يكونوا أسوة مناسبة لأولادهم. لأن الولد سر لأبيه. فالأولاد يتعلمون الأخلاق وطرق العيش من آبائهم. علينا أن نواظب على أن يتعلم أولادنا الأخلاق الحسنة والطريقة الصحيحة والعبادة والدين منا. يجب أن ندرك أولادنا ونحترم الأبناء، لأنهم أيضا يملكون نفسا إنسانية وهي تختلف عن نفسنا بشيء مزيد من الأنانية وحب الذات. لأن عقلنا قد كمل وهو قادر على ضبط النفس، لكن عقلهم لما يكمل ولا يقدر على ضبط النفس، لأجل هذا التكبر والغرور أكثر في الشباب.
واستطرد: لا نستطيع النجاة من خلال العبادات الفردية فقط كالحج والصوم والزكاة، لأن كل واحد منا مسئول عن أهله وأولاده. إذا كان الولد لا يصلي ويقبل على الفساد، لا ينجو الأب. كما أن شفقة الأبوة تدفع الأب إلى أن يلقي بنفسه في التهلكة لأجل نجاة الأولاد في حوادث مثل السيل والطوفان والزلازل، يجب أن تكون هذه الشفقة لتدفعنا أكثر لأن ننجي أولادنا من العذاب الشديد والأبدي.
وأشار فضيلته إلى حديث “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته”، مؤكدا أن رؤساء الممالك والحكومات مسؤولون يوم القيامة بسبب دم شخص واحد أو الإجحاف في حق إنسان واحد، لأنهم مسؤولون عن الرعية كلهم. نقل عن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول لو وقع ظلم في ناحية من البلاد لخشيت أن أحاسب عليه يوم القيامة. وكان سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه يخدم الفقراء، ولما قال له غلامه أنا أحمله عنك، فقال رضي الله عنه “أأنت تحمل وزري عني يوم القيامة!”.
فإذا كانت الرعية جائعة عاطلة تعاني من المشكلات وفقدان العدل، يوم القيامة يعاقب رؤساء البلاد. كذلك الأب مسؤول عن الأولاد، والمرأة في غياب الزوج مسؤولة عن البيت والأولاد. يجب أن لا ننسى أولادنا ولا نشغلهم أثناء الدراسة في أعمال ومشاغل أخرى، بل نشجعهم على الدراسة، ونتابع دائما أوضاعهم الدراسية، وننفق لدراستهم. لا يتقدم مجتمع بغير العلم، ولا يصل إلى مكانة مرموقة. لو أننا نريد أن نصل إلى مكانة عالية، لا يمكن ذلك بغير العلم. الولد المسلم ينبغي أن يختار لنفسه طريق الإسلام وينتخبه. علينا أن ندعو لإصلاح أولادنا، لأن الولد الصالح عندما يعمل عملا صالحا، يشاركه الأبوان في أجر ذلك العمل.
واستطرد فضيلته قائلا: الطلبة وسائر طبقات مجتمعنا في أي ناحية من العالم في المراكز العلمية والجامعات وغيرها، ينبغي أن يعلموا أنهم مسلمون، وفي وقت الصلاة يجب أن يصلوا ولا تفوتهم الصلاة. كذلك تلاوة القرآن الكريم وذكر الله تعالى والعبادات الأخرى لا ينبغي أن تفوت الشخص المسلم. لأن الدنيا لا بقاء لها، والحياة فيها مؤقتة. لذلك ينبغي أن ننتهز الفرص ونغتنم الحياة في الوصول إلى الله عز وجل. يقول الله تعالى مخاطبا الكفار “لا تعتذروا اليوم”، لقد ضيعتم فرصة الدنيا، فاليوم ليس وقت المعذرة والاعتذار والتوبة، ثم يحذر الله تعالى المؤمنين، ويقول “توبوا إلى الله توبة نصوحا”. يعني إن كنتم تريدون أن تنجوا أنتم وأولادكم من النار، عليكم بالتوبة الصادقة والاستقامة فيها.
وأكد فضيلة الشيخ عبد الحميد في نهاية خطبته على قيام الليل وصلاة الفجر مع الجماعة قائلا: من يراعي حدود الله تعالى ويؤدي الأحكام الإلهية في وقتها، ويذكر الله أينما كان، ولا يغفل عن ذكر الله تعالى، يعتبر شخصا ربانيا. فلو اقتضت الظروف أن نضحي بأموالنا وأولادنا ومناصبنا لأجل مرضاة الله تعالى، لا ينبغي أن نقصر في ذلك. لنعلم جيدا أن العيش الذي يخلو من ذكر الله تعالى، معناه الإقبال على الشيطان والتحرك من ورائه. العمل على الفرائض والحدود الدينية سهلة جدا، لو كنا نملك إرادة وهمة عالية. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعب نفسه في قيام الليل. ففي هذا الوقت الذي يبذل الرب نظره وتوجهه للعالم كله، لا ينبغي للمسلم أن ينام غافلا.