header

تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة هذه الجمعة، إلى بيان مطالب حول أهمية الصبر والاستقامة في المراحل المختلفة من حياة كل إنسان.
وأشار خطيب أهل السنة بعد تلاوة آيات 153إلى 155 من سورة البقرة، إلى أن الصبر أوسع نعمة إلهية، قائلا: الصبر نعمة واسعة وشاملة، تشمل كافة شؤون الحياة ويكمن فيه نجاح الإنسان. ومن جعله الله تعالى في مجموعة الصابرين، في الحقيقة شملته أوسع نعم الله تعالى.
واعتبر فضيلته الصوم من مصاديق الصبر البارزة، قائلا: ورد في رواية أن الصوم شطر الصبر، وذلك لما في الصوم من تحمل العطش والجوع وأعمال مغايرة لشهوات النفس؛ والذي ليس لديه قوة الصبر لا يتحمل هذه المشقات. فالصوم مؤثر في تكوين الإنسان وإصلاح النفس، وعبادة لا مثيل لها في إذلال النفس وغرور الإنسان وتزكيتها. نطاق الصبر واسع، ومن ملك الصبر فقد ملك كل شيء، ومن لا يملك الصبر، لا يملك في الحقيقة شيئا.
وتابع فضيلته في توضيح آية 153 من سورة البقرة قائلا: إن الله تعالى أوصى في هذه الآية إلى شيئين؛ أولهما هو الصبر وضبط النفس؛ والثاني: الإستعانة بالصلاة. الصلاة تربط الإنسان بربه؛ فتضرعوا إلى الله وابتهلوا إليه بالصلاة، واصبروا وصابروا في حياتكم.
وأضاف فضيلته قائلا: بعد تذكرة الصبر والصلاة، ذكر الله تعالى القتال في سبيل الله قائلا “ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا”. أي لا تحسبوا الشهداء أمواتا لأنهم أحياء، لكن حياتهم تختلف مع حياتكم، وأنتم لا تستطيعون أن تشعروا حياتهم. لأن الحياة البرزخية مختلفة عن حياة الدنيا. لكن السؤال الذي يرد هنا هو أن الشهيد لماذا يبقى حيا ولماذا أعطيت له هذه الدرجة والمكانة حيث أعطاه الله حياة خاصة؟ والجواب أن الشهيد صبر ولم يهرب من ميدان الجهاد، ونتيجة الصبر شرب كأس الشهادة. لأجل ذلك ذكر الله تعالى بعد الصبر الشهادة في سبيل الله ليذكرنا بأن نتيجة الصبرهي الشهادة. كذلك ذكرت الصلاة بعد الصبر، لأنه يبين هذه الحقيقة بأن الصلاة من نتائج الصبر. الصبور يقاوم نفسه، ويؤدي الصلاة، ويثبت في القتال مع أن الموت والجراحة في سبيل الله صعب جدا. لكن الشهيد يتحمل كل ذلك ويصبر عليه، لذلك يرفع الله تعالى درجاته.
واستطرد عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قائلا: يقول الله تعالى بعد هذه الآيات أنه يمتحن عباده. “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع…” إن الله تعالى يؤكد في هذه الآيات أنه يمتحن عباده بالجوع والخوف ونقص من الأموال والأنفس ليميز بين الصابر وغيره. معنى الصبر أن يستقيم الإنسان في كل مصيبة ومشكلة. وهذه المصائب أيضا فيها خير للعباد، وإن الله تعالى يربي عباده بالمصائب والمحن، ويجعلهم مجربين وثابتين على الحق، ويطهرهم في النهاية من المعصية والذنوب. فهذا الاختبار رحمة إلهية، لأن الإنسان عندما يخرج من الامتحان سالما، يطهره الله من كافة ذنوبه ويدخله الجنة.
واستطرد فضيلته معتبرا الصبر في النعمة والثروة من أهم مصاديق الصبر في ضوء آية “نبلوكم بالخير والشر فتنة”: قد يبتلي الله تعالى عبده بالثروة والمال، لأن الإنسان بالمال يقدر على فعل أنواع من المعاصي والحصول على المخدرات والخمور وأنواع من المأكولات. فمجالات كافة المعاصي متاحة للشخص الغني، لكنه لما يصبر على المعصية ولا ينفق ماله في المفاسد والمنكرات، يعتبر من الصابرين. روي عن الصحابة أن الصبر على المعصية أهون من الصبر على المال والنعمة. إن الله تعالى يبتلي الإنسان بأنواع من المعاصي، والمعاصي تجذب الإنسان إليها، لكن لو صبر الإنسان وضبط على نفسه ويتقي الله، لا يرتكب المعصية. أما الشخص الذي يفقد الصبر، يبتلى بالفحشاء وتعاطي الخمور وسائر الذنوب؛ لأنه لا يصبر على المعصية، ولا يقدر على ضبط نفسه. لأن السيطرة على أهواء النفس تحتاج إلى صبر عظيم.
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد “الالتزام بأحكام الدين حتى الموت” من مواضع صبر المؤمن قائلا: الالتزام بالصلوات الخمس والجمعة والعيدين، وتأدية الزكاة، ومراعاة حقوق الإنسان، وخدمة الوالدين ورعاية المرضى وغيره من أعمال الصابرين. مرض سيدنا أيوب عليه الصلاة والسلام سبع سنين، وتركه الجميع وحيدا إلا زوجته الوفية التي كانت تخدمه، وبعد سبع سنين لما أراد الشيطان أن يجري على لسان زوجته كلمات تغاير التوحيد، رفع سيدنا أيوب يديه للدعاء قائلا: “أني مسني الضروأنت أرحم الراحمين”. لما رفع أيوب الصابر ندائه استجاب الله تعالى فورا نداء عبده وشملته الرحمات الإلهية، وجرت له عين صافية من الماء العذب، وأعاد الله إليه صحته وعافيته وماله وذريته. فدعاء الصابرين الذين يصبرون على المكاره في جميع الأحوال يقبل هكذا. سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أيضا كان من الصابرين، لما دعي في شبابه إلى المعصية، هرب من المعصية وقال “معاذ الله”، فنصره الله تعالى وفتح له جميع الأبواب المقفلة. فالله تعالى مع هؤلاء الصابرين والذين يستقيمون وتفتح لهم أبواب الجنة ويبشرون بها عند الموت من جانب الملائكة.

الطلبة هم مستقبل مجتمعنا:
وأشارخطيب أهل السنة في القسم الأخيرمن خطبته إلى اللقاء الأخير للطلبة الجامعيين السنة مع علمائهم يوم الخميس 24 ربيع الثاني 1434 في جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان قائلا: سنويا يأتي عدد كبير من الطلبة السنة من جامعات أنحاء البلاد إلى جامعة دار العلوم زاهدان بهدف اللقاء مع العلماء والمثقفين. وفي هذا الأسبوع أيضا شهدنا مثل هذا اللقاء.
وتابع رئيس جامعة دار العلوم قائلا: هذا اللقاء يأتي بهدف الوحدة بين المراكز الدينية والجامعات العصرية. وحضور هؤلاء الطلبة في جامعة دار العلوم زاهدان من أجمل أيام هذه الجامعة. الطلبة الشرعيون وطلبة الجامعات من أفضل طبقات مجتمعنا، لأنهم يشتغلون بالتعلم. ومجتمعنا بغير العلم ودراسة العلوم الشرعية والعلوم العصرية لا يستطيع أن يصل إلى الرقي والازدهار. لذلك فهاتان الطبقتان من آمال مجتمعنا، ويجب أن ندعو في حقهما ليقدرا على خدمة الإنسانية.

2104 مشاهدات

تم النشر في: 10 مارس, 2013


جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي Copyright ©