أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (21 جمادى الأولى 1444)، إلى صدور أحكام قاسية على متظاهري الأحداث الأخيرة، مطالبا بالإفراج عن كافة المعتقلين والسجناء بما فيهم علماء أهل السنة.
وقال فضيلته: نطالب بإطلاق سراح جميع من اعتقلوا خلال هذه الاحتجاجات وعدم معاملتهم بقسوة، فمعظمهم من الشباب وصغار السن. أطلقوا سراح الشباب والشابات، ولا تصنفوهم من المحاربين، وإن كان بعضهم “محاربين”، لا ينبغي أن يحكموا بالإعدام أو القتل.
وأضاف فضيلته قائلا: أفضل فهم وتفسير للقرآن هو أننا لا نستطيع قتل من لم يرتكب قتل إنسان. احبسوا أو قوموا بنفي من لم يقتل نفسا، فلا خير في دين لا رحمة ولا عفو فيه.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى المعاملة السيئة مع بعض علماء السنّة أثناء اعقتالهم، قائلا: تم اعتقال اثنين من كبار العلماء أهل السنة مؤخرا في إقليم كردستان؛ اعتقل الشيخ السيد سيف الله حسيني وهو أحد العلماء البارزين في مدينة “جوانرود”، وعندما اقتحموا منزله تصرفوا بعنف وقسوة، وهكذا اعتقل الشيخ “خضر نجاد” وهو أيضا أحد العلماء المشهورين هناك. لقد تحدث هؤلاء العلماء بكلمات يتحدث بها في كل مكان في البلاد. لا تمنعوا أبدا عن الكلام، لكن دعوهم يتحدثون، وعليكم بقبول أفضل ما لديهم. والشيخ “فضل الرحمن كوهي”، من علماء أهل السنة في بلوشستان محتجز منذ عامين ويجب الآن أن يطلق سراحه من الناحية القانونية. كلنا نطالب بإطلاق سراح هؤلاء العلماء جميعا. الشيخ “فضل الرحمن كوهي” وجّه انتقادات تطرح الآن أشد منها. كذلك نتمنى ألا تكون هناك مشكلة للشيخ “عبد الغفار نقشبندي” الذي انتقد وتحدث ولم يفعل شيئًا آخر، كما نوصي بأن تكون الانتقادات عن نصيحة وخير.
كما أعرب فضيلته عن قلقه من إصدار الحكم بالإعدام على أحد الأطباء في البلاد وقال: الدكتور “حميد قره حسنلو” طبيب متخصص ويهتم به المجتمع الطبي، وقد اتهم بالمحاربة وهو واحد من عدة أشخاص حُكم عليهم بالإعدام في قضية قتل أحد أعضاء قوات التعبئة. هذا الطبيب من المحسنين وقد عمل بجد من أجل الكثيرين، والكلّ يريد إطلاق سراح الدكتور “قره حسنلو” وزوجته.
وأضاف فضيلته قائلا: الطلاب والطالبات يتحدثون ويحتجون، دعوهم ليتكلموا، ولا تحرموهم من العلم.
القانون طبّق على الضعفاء والعزل فحسب
وحذّر خطيب أهل السنة من النهج التعسفي في تطبيق القانون، وتابع قائلا: هذا البلد بلد كبير، يعيش فيه أتباع ديانات وميول وعرقيات مختلفة، يجب أن يتمتع كل فرد بالحرية. لقد منح الدستور هذه الحرية، لكن لسوء الحظ فإن التمرد على القانون أكثر شيوعا في بلدنا من أي مكان آخر. قال العديد من الرؤساء قبل الانتخابات إننا سنطبق القانون، وصوّت الشعب لصالحهم على هذا الأساس، لكن عندما وصلوا إلى مناصبهم، لم يتمكنوا من فعل أي شيء.
وأضاف فضيلته قائلا: أكبر مشكلة في بلادنا تسببت في هذا الوضع، تطبيق الاتجاهات الشخصية. من كانت له قوة لم يتصرف حسب القانون، بل طبق القانون في الغالب على الضعفاء والعزل، لكن من هم في السلطة تجنبوا من سلطة القانون. بموجب القانون تتمتع جميع الأديان والأفكار بالحرية. إنها مطلب الشعب في أن تكون هناك حرية لجميع العرقيات والأديان والاتجاهات في البلاد. من الجريمة التفريق بين أبناء الشعب الإيراني.
المشكلات وحّدت الشعب وقربتهم
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى التعاطف الذي نشأ بين الشعب الإيراني أخيرا، وتابع قائلا: في الوضع الذي تعيشه بلادنا اليوم، فإن تعاطف الشعب مثير للأمل، فالشعب الإيراني الذي كان بعضهم غير مهتمين بالآخرين أو كان تعاطفهم ضعيفًا، أصبح الآن أقوى، وظهر اليوم تعاطف كبير بين الشعب، بحيث يفخر الشعب بزيّ بعضهم البعض عندما يتقابلون.
وأضاف قائلا: كان يقال منذ زمن طويل، أن الواجب على الإذاعة والتلفزيون أن يقوم بتعريف أزياء وثقافات الشعوب الإيرانية، ولا سيما في بداية الثورة لم يكن يعرف أحد أزياء منطقتنا إطلاقا و كانوا يقولون إنهم إخوة أفغان أو باكستانيون، لكن اليوم ظهرت أوضاع في البلاد حيث يحيي الناس بعضهم البعض في الشوارع. هذا التعاطف والتقارب أمر جيد للغاية.
وأشار فضيلته إلى هذا التعاطف مقارنا إياه مع شعار الوحدة الفارغ: في الماضي عندما تأسس أسبوع الوحدة في البلاد، كان ملفتا للنظر في البداية، لكنه في النهاية أصبح ضعيفا لدرجة أن الضيوف الأجانب لم يكونوا يأتون إلى مؤتمراته، والضيوف من الداخل لم تكن لديهم رغبة في المشاركة في هذه الجلسات ولم يكونوا يرحبون بها، والسبب أنه كان شعاراً للوحدة قولا، ولكنه لم يكن عملياً، فعندما تقتصر الوحدة على الشعارات فلا مجال واسع لها، ولكن عندما تكون الوحدة شاملة فهي عميقة.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: الوحدة كانت ضعيفة للغاية في الدوائر والمؤسسات الحكومية، فكان الجميع يقولون: إن الوحدة هي استراتيجيتنا، لكنها في الواقع لم تكن كذلك، وتم استخدام الوحدة كغطاء. شكونا مرارا إلى مجمع التقريب أن منع أهل السنة من الصلاة أو الإهانة إلى المقدسات هو ضد الوحدة، لكنهم قالوا إنها ليست بأيدينا ولن يقبل أحد كلامنا. في اجتماعات الوحدة كنا نشعر أن الوجوه لم تكن سعيدة، في حين أن الوحدة شيء عظيم ويجب أن يكون الجميع سعداء.
وأضاف قائلا: اليوم جاء تعاطف ووحدة بين الشعب، والغالبية العظمى من الشعب توحدوا وتعاطفوا، والسبب في ذلك هي المشكلات التي لديهم. يواجه الشعب الإيراني مشكلات مثل التضخم وارتفاع الأسعار وأنواع أخرى من المشكلات، لقد قربت هذه المشكلات الشعب الايراني بعضهم مع بعض وجعلتهم يدافعون ويدعم بعضهم البعض.
وفيما يتعلق بهذا التعاطف، نصح فضيلته قائلا: يجب على جميع الإيرانيين التشاور مع بعضهم البعض واختيار الطرق التي يمكنهم من خلالها التعامل مع شعوب العالم وخلق وحدة فيما بينهم. عندما لا يكون هناك تمييز وعدم مساواة، ويكون هناك تسامح، تتشكل وحدة حقيقية.
الشعب الذي أصبحت عملته عديمة القيمة في العالم يشعر بخيبة أمل
وأكّد فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: الشعب الإيراني ليس ضدّ الدين ولا عميلا من قبل دول أجنبية، لكنهم إيرانيون وينتمون إلى هذا البلد، وقد نشأت الاحتجاجات الأخيرة بسبب مشكلات الشعب الإيراني. عندما يرى الشعب أنّ الدولار الواحد أصبح 39 ألف تومان وأنّ أموالهم فقدت قيمتها ولا قيمة لها في العالم، فإنهم يشعرون بخيبة أمل. عندما يرى الناس دولة لديها كل الموارد والثروات وهي واحدة من الدول الغنية القليلة، ولكن الشعب يعاني من الجوع ويواجهون مشكلات في توفير قوتهم ويبحثون عن تهريب المحروقات والسلع، فإنهم يشعرون بالقلق.
وأضاف فضيلته قائلا: المواطنون الإيرانيون يشعرون بالقلق عندما يرون أنهم يتعرضون للضغط، ولا يتمتعون بالحريات اللازمة، وبدلاً من العديد من الأشخاص المؤهلين من مختلف الجماعات العرقية والديانات، فإن الضعفاء هم من يديرون البلاد. فلو كانت هذه المناصب في أيدي ذوي الكفاءة لما وصلت البلاد إلى هنا. هناك انتخابات ولكن لا تخرج منها نتائج مفيدة. يأتي الشعب إلى ساحة الانتخابات البرلمانية والرئاسية على أمل تحقيق نتائج، لكن عندما يرون أنهم لا يحصلون على ما يريدون وأن وضع البلاد لا يتغير، بل تتجه البلاد نحو العزلة في العالم ويشكك مجلس حقوق الإنسان في ذلك، فيقلق المواطنون جميعا. لماذا لا ننجح في التعامل مع العالم؟ يجب أن نتفاعل مع الأصدقاء والأعداء. الإسلام دين التفاعل والتسامح والمنطق. جاء الإسلام ليصنع الإنسان والأخلاق.
وتابع خطيب أهل السنة متذكراً كلام مؤسس الجمهورية الإسلامية ضد الشاه السابق: عندما لا ننجح في هذه القضايا فمن الطبيعي أن يكون شعب إيران غير راضين. انظروا ما هي القضايا التي تطرح في الاحتجاجات. هذا من كلام مؤسس الجمهورية الإسلامية الذي خاطب الشاه وقال إن شعب إيران شعب طيب، لماذا يشكو هؤلاء الناس منك؟ شعب إيران لا يتمتع بالحرية، ولا يريد أن يعتمد على الشرق والغرب، وهم غير سعداء، لأن ثروتهم تنفق في مكان آخر. هذه كلمات مؤسس الثورة. حتى اليوم يجب أن تعرف السلطات أن الشعب في قلق واضطراب، ولهذا السبب نقول إن صوت الشعب يجب أن يسمع.
عندما يكون الشعب غير راض، لا يمكن الحكم
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: يجب التفكير لحل المشكلة. لقد صرخنا مرارا وتكرارا من منصتنا الصغيرة هذه أن السياسات الداخلية والخارجية غير مؤثرة ويجب تغييرها. يجب على المسؤولين التركيز على بناء بلدهم. فكروا في الشعب. إذا ضيّعنا الشعب فلا فائدة في إرضاء العالم كله. لا يمكنك أن تحكم عندما يكون الشعب غير راضين.
وتابع فضيلته قائلا: هؤلاء الذين يتظاهرون في الداخل والخارج منذ ثلاثة أشهر، كلهم إخوتنا، ونحن نفكر في النخب والكفاءات الذين هربوا من إيران ورحلوا عنها. لا يوجد مكان يمكن أن يكون مثل إيران للشعب الإيراني، فهؤلاء أينما كانوا فإنهم يفكرون في بلدهم. نتمنى أن يعود مواطنونا الأعزاء ويعمروا إيران لأنفسهم ولغيرهم، هذا وطن آبائهم وأجدادهم. هؤلاء الذين غادروا إيران يجب أن يعودوا ويعملوا في بلادهم.
وقال خطيب أهل السنة: خلال الانتخابات كانوا يقدمون وعودا وقرارات ثم لم نتمكن حتى من لقاء المسؤولين المنتخبين، فخلال الدورة الثالثة عشرة للرئاسة، قدم هذا الفريق وعودا ثم قالوا لن يقبل أحد كلامنا. ذهبت إلى هناك عدة مرات وتابعت، لكن لم نحصل على شيء. لماذا يجب أن يكون هكذا؟
وأردف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: الشعب لديهم مشكلات ويجب حلها. لا بد أن تسمع مشكلاتهم من أنفسهم، فالطريقة الوحيدة هي الخضوع لإرادة الشعب. على حد قول مؤسس الجمهورية الإسلامية كل ما يريده هذا الشعب هو الحق، وإن نقلنا كلام مؤسس الجمهورية الإسلامية، فقد ينزعج البعض أيضا. لا ينبغي الخضوع لأي حكومة أو قوة أجنبية، لكن يجب الخضوع أمام الشعب.
وفي ختام كلمته أشار فضيلته إلى استشهاد الشيخ “عبد الواحد ريغي”: كان الشيخ عبد الواحد ريغي من علماء خاش، وهو عالم عمل دائما من أجل السلام والمصالحة. استشهد وتأثرنا جميعا باستشهاده.
وأضاف قائلا: في هذه المنطقة قلما كان يستهدف العلماء في السابق في النزاعات. إذا كان هناك من نزاع، لم يهاجم العلماء والشيوخ والمثقفين والنساء. نسأل الله تعالى أن يتقبل استشهاد هذا العالم الجليل ويرفع درجاته ويمنح ذويه الصبر والسلوان.