header

اعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في خطبة هذه الجمعة بعد تلاوة آية “لقد من الله تعالى على المؤمنين إذ بعث فيه رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”، بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من أعظم منة إلهية وإحسان من جانب الله تعالى على عباده، واصفا مجتمع الصحابة مجتمعا سالما نشيطا وحيا، وأحد أهم انجازات بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وتابع فضيلته قائلا: إن الله تعالى بعث أفضل أنبيائه ورسله إلينا، والدين الإسلامي دين معتدل. يقول القرآن الكريم في وصف الأمة الإسلامية: “وجعلناكم أمة وسطا”. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث: “بعثت بالحنيفية السمحاء ليلها ونهارها سواء”. الأمة الإسلامية أمة الاعتدال، ورسول الله نبي الاعتدال، والدين الإسلامي دين الاعتدال، البعيد عن شعبتي الإفراط والتفريط.
و تابع فضيلته قائلا: إن هدف الله تعالى من بعثة هذا الدين، أن ينشئ في المجتمعات البشرية مجتمعا يكون أسوة وقدوة، ويتلألأ في كافة المجالات من الإيمان والأعمال والأخلاق. مجتمعا يكون بعيدا عن الكذب، والتكبر، والخيانة والنفاق وغيرها من الصفات الرذيلة. ويتصف أهل ذلك المجتمع بالتقوى ومكارم الأخلاق ومحاسنها. وهذا المجتمع النشيط والحي أنشئ في عهد الرسول وبيد الرسول صلى الله عليه وسلم. الرسول صلى الله عليه وسلم كوّن أشخاصا وصلوا إلى الولاية بالمعنى الحقيقي، وكانت المكارم الأخلاقية توجد في حياتهم بالمعنى الكامل.
واستطرد قائلا: الصحابة الذين ربّاهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أسوة في كافة المجالات. وكانت حقوق كافة الطبقات تراعى في هذا المجتمع. في المجتمع الذي كان يعيش الصحابة لا توجد الخيانة والكذب، وكانت الصداقة والأمن مسيطرين على المجتمع. كان الصحابة رحماء أحبة فيما بينهم، وفي أصعب الظروف كانوا يؤثرون غيرهم على أنفسهم.
خلاصة الكلام أن مجتمع الصحابة والقرنين الذين جاءا من بعدهم، كان مجتمعا سليما، حيا، نشطا، منورا، أنشأه النبي صلى الله عليه وسلم بيده.
وتابع خطيب أهل السنة في بيان خصائص الصحابة قائلا: في مجتمع الصحابة الذين كانوا يتولون أمور الرعية، كانوا أناسا مثاليين وقدوة رباهم الرسول وزكّاهم. لم يكن الكذب والخيانة من جانب الرعية ولا الحاكم. الصحابة كانوا يجتنبون الكذب والخيانة حتى مع أعدائهم، ولم يكن في مجتمعهم فرق بين العرب والعجم والقرشي وغيره، والجميع كانوا يتمتعون بحقوق متساوية.
في عهد الخلفاء الراشدين كانت الأوضاع بهذا الشكل. إن ابابكر الصديق رضي الله عنه مع إصرار الكثير من حاشيته لم يسمح أن تنتقل الخلافة إلى ولده عبد الرحمن بن أبي بكر. وإن عمر رضي الله عنه أيضا أوصى أن إبنه عبد الله – وكان عالما وعاملا بالسنة- لا يشارك في أمر الخلافة، وفقط يستيطع أن يحضر للتعزية لأنه صاحب العزاء. واقترح للخلافة الشورى المتكوّن من ستة أشخاص، يختار المسلمون بعد المشورة من هؤلاء الستة واحدا للخلافة.
وأضاف فضيلته: وفقا لرأي أهل السنة، إنما يتم تعيين النبي من جانب الله تعالى فقط، وبعد الرسول يستطيع الناس أن يشاركوا في مصيرهم ويختاروا زعيما أو خليفة لأنفسهم. هذه النظرية لأهل السنة قريبة إلى الحرية والديموقراطية.
وأكد خطيب أهل السنة في زاهدان: الخلفاء الراشدون تولّوا مسؤولية الخلافة والزعامة لأهداف إلهية، وخدمة الناس، والدفاع عن حقوق الناس. في عهد الخلفاء الراشدين كانت تراعى حقوق أهل الذمة وغير المسلمين في المملكة الإسلامية. اقتص عمر مسلما بسبب قتل الذمي. اليهود والنصارى كانوا يشتغلون بالعبادة في معابدهم بالحرية، وكان علمائهم موضع احترام ومكانة.
في المعارك أيضا ألزم الجنود المسلمون أن لا يتعرضوا لمعابدهم ولا لعلمائهم وعجائزهم وأطفالهم. لما كان المسلمون عاملين بالدين الإسلامي، كانوا يملكون مجتمعا سليما نشعر حلاوته بعد قرون طويلة.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: خطابي للمواطنين والحكام في البلاد الإسلامية أن الطريق الوحيد للوصول إلى سعادة الدنيا والآخرة هي العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله.
خلافا لما أشاع الأروبيون، فإن الإسلام دين الفطرة، ولو سلك البشر على هذا الدين، يبقي سالما ويتقدم في كافة الأبعاد. يوصى الإسلام أن يعيش الإنسان حرا، وأن لا يتعلق بقدرة إلا بقدرة الله تعالى، ولا يتوكل إلا على الله تعالى، وأن لا يخاف في الله لومة لائم.

حل الأزمة الأمنية في إقليم بلوشستان (الباكستانية) ليس في اختطاف الناس أو اغتيالهم

أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في الخطبة الثانية إلى الحوادث الأخيرة في إقليم بلوشستان في باكستان وقال مؤكدا أنه لا ينوي التدخل في القضايا  الداخلية لهذا البلد: باكستان دولة إسلامية كبيرة يعيش فيها أقوام وطوائف مختلفة. وإن أوضاع وظروف دولة مثل باكستان التي جمعت الأقوام والطوائف والأحزاب المتنوعة تقتضي أن تراعي حقوق كافة هذه الأقوام والطوائف بشكل متساو، يسهل الوصول إلى الوحدة الوطنية والأمن الدائم  في المجتمع، ولا يرجح قوم على آخر ولا لغة على أخرى، كما كان في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد: على حكومة باكستان أن تراعي حقوق الأقوام والطوائف المختلفة، خاصة البلوش الباكستانيين الذين يعيشون في منطقة واسعة وهامة. إن كانت بلوشستان تعتبر جزءا من باكستان، لكنها تعاني الفقر الثقافي والاقتصادي. إقليم بلوشستان مع امتلاكها الثروات الطبيعية ومصادر العيش الغنية لم تزل أفقر أقاليم باكستان. الأمية مسيطرة على كافة أهلها، والحكومات لا تهتم إلى عمران هذه المنطقة.  والآن منذ مدة تصلنا أخبار عن أزمة أمنية ومشكلات هذه المنقطة. يُقتل كثير من أهلها ويُختطف الآخرون ويتم اغتيال البعض. مدينة “كويتا” (عاصمة إقليم بلوشستان الباكستانية) تبدلت إلى منطقة أمنية وأصبحت الحياة صعبة لأهل هذه المدينة.
وأضاف خطيب أهل السنة قائلا: نحن نعتقد أن حل هذه الأزمة ليس في اختطاف الأبرياء وقتل الناس. القتل والاغتيال من جانب أي قوم أو دولة كان، يجلب العداوة. نحن نخالف الطائفية والعنصرية، ونعتقد حل المشكلات من خلال الحوار والتفاوض، وأن تراعى حقوق كافة الأقوام خاصة البلوش الذين هم في مواجهة المشكلات العديدة، وتلبى حاجاتهم حسب الاستطاعة والإمكان. فهذه النيران لا تنطفئ بالقتل والقمع. نحن نحترم سيادة أراضي باكستان، ونعتبر أزمة هذا البلد المجاور أزمتنا، ونعتبر أنفسنا مشاركين في قلقهم ومشكلاتهم.
وأضاف فضيلته قائلا: نصيحتنا للحكومات ولحكومة باكستان خاصة أن تكون لهم نظرة متساوية إلى الأقوام والمذاهب في الحقوق والمواطنة، ولا يغتروا بقوتهم العسكرية وقدراتهم في القمع، ولا يفسدوا دنياهم لآخرة غيرهم. فحل هذه المشكلات يوجد فقط في المفاوضة والحوار ومراعاة حقوق الشعب وإرادة الخير والإيثار.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد: أوصى الإسلام بالنظرة المتساوية إلى الجميع. قال النبي صلى الله عليه وسلم في صحراء عرفات “ألا لاَ فَضْلَ لِعَرَبِىٍّ عَلَى أَعْجَمِىٍّ وَلاَ لِعَجَمِىٍّ عَلَى عَرَبِىٍّ”. نحن نتمنى أن تعيش كافة الشعوب في ظل حكوماتهم بالهدوء والراحة والحرية. فإن رحمة الله تعالى ومغفرته تغشى حكاما ينام شعوبهم في الراحة والهدوء ويبقوا مستيقظين لحراسة حقوق شعبهم.

 

2188 مشاهدات

تم النشر في: 12 مايو, 2012


جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي Copyright ©