header
فضيلة الشيخ عبد الحميد في خطبة الجمعة:

المجتمع الذي يخلو من الأمانة يواجه الانهيار

أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنّة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (25 جمادى الثانية 1446)، إلى حفظ الدين والمال والنفس، وكذلك تفويض المسؤوليات إلى أهلها، كأمثلة واضحة على الأمانة، معتبرا مراعاة الأمانة أساس المجتمع، وأن المجتمع الذي لا تحترم فيه “الأمانة” سوف ينهار ويفنى.


الخيانة في الأمانة مغايرة للدين والأخلاق
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد بعد تلاوة آية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}، قائلا: أمرنا الله عز وجل في كتابه العزيز أن نحكم بين الناس بالعدل، والقرآن يأمر بالأمانة وردّ الأمانات إلى أهلها، ومراعاة العدل في الحكم بين الناس. “الإيمان” و”الأمانة” من مصدر واحد؛ فكما أن الإيمان عظيم ومهم، فإن الأمانة أيضًا مهمة وعظيمة من الناحية الأخلاقية، ولا إيمان بلا أمانة.
وأضاف قائلا: ورد في الحديث: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»، ومن المؤسف أن الأمانة تضيع في المجتمع اليوم، وهذا بسبب ضعف الإيمان، فالناس ينقضون العهود والعقود لأنه لا يوجد دين، والدين يأمرنا بالالتزام بالعهود والعقود. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُهْودِ} [المائدة:1]. لذلك مغاير للشرع أن يستمر الإنسان في العهد إذا كان في مصلحته، وأن ينقضه إذا كان في مصلحته.


الأمانة علامة الإيمان
وقال خطيب أهل السنّة: الأموال التي بأيدينا سواء كانت خاصة أو عامة، فهي أمانة ويجب حفظها، وإن أموال المدارس، والمساجد، والجامعات، والمنظمات، وخزائن الدولة، وغيرها، كلها ملك لعامة الشعب، ومن المهم جدًا أن يتم الحفاظ على هذه الأمانات.
وأضاف فضيلته قائلا: إنّ العلامة عبد العزيز رحمه الله (مؤسس جامعة دار العلوم زاهدان) كان حريصاً على المحافظة على الأمانة في أموال المدرسة والمسجد، وفي بعض الأحيان، كان يتصل بي في وقت متأخر من الليل ليخبرني أن أموالا للجامعة وصلت ويجب أن أحضر لاستلامها، وكان يشعر بالقلق عندما يصل مال المدرسة إلى بيته، وهذه الأمانة علامة الإيمان. عندما يكون للإنسان إيمان، فإنه يهتم بالأمانة.


“الدين” أمانة إلهية؛ لا بد من حفظه
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: إن القرآن الكريم وسيرة الرسول، والصلاة والصيام، وكل أوامر الدين وتعليماته، أمانات. يقول الله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} [الأحزاب: 72].
وأضاف: الدين كله أمانة، وعلينا أن نحافظ عليه، وأن نسعى ونخطط ليبقى الدين في مجتمعنا والأجيال التي بعدنا، وحتى لا يضيع الناس الدين.


استخدام الجوارح والثروة في سبيل المعصية خيانة للأمانة
وقال خطيب أهل السنّة في زاهدان: إن حفظ الجوارح داخل في “الأمانة”، لأن الله تعالى منحنا الأيدي والأرجل والأذنين واللسان والعقل والقلب، وكل هذه الأعضاء ملك لله تعالى، ويختبرنا الله به حتى لا نخون الله والناس به، فالعين أمانة لله تعالى؛ ولا ينبغي لنا أن نسيء النظر إلى أعراض الناس وأموالهم، ولا نكذب ولا نفتري باللسان فإنها أمانة من الله تعالى، ولنستعمل لساننا في مصلحتنا ومصالح العالم وفي الخير، ولا نجري على اللسان كلاما قبيحا ولا نتكلم في معصية.
وتابع فضيلته قائلا: إذا أنفق الإنسان المال الذي أعطاه الله إياه في مجالات المعصية، فلا شك أن هذه خيانة في الأمانة، فإن الله تعالى لم يمنحنا المال لشراء الخمر والمخدرات، ولا للرشوة، ولا للظلم، ولا للإيذاء به، ولا لاستخدامه في قتل الناس وضربهم، وهذا إهدار للثقة ونكران الجميل.


إن تفويض المسؤوليات لأفراد غير مؤهلين هو تضييع للأمانة
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد توسيد الأمور إلى أهلها من مصاديق الأمانة، وتابع قائلا: يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}، فيجب أن تفوض الأمانة إلى أهلها. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يكلم أصحابه، فقال أحدهم: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه، قال: “أين السائل عن الساعة؟ ” قال: ها أنا ذا، يا رسول الله، قال: “إذا ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة”، قال: يا رسول الله، كيف؟ أو ما إضاعتها؟ قال: “إذا توسد الأمر غير أهله، فانتظر الساعة”.
وتابع فضيلته قائلا: إنّ معنى الأمانة واسع جداً وأشمل، وضياع الأمانة أمر أشمل وأجمع وأكمل من ضياع المال؛ عندما تُعطى المسؤوليات لأفراد غير أكفاء وغير مؤهلين، ويحصل الناس على المناصب من خلال الرشوة، والعلاقات، والتوصيات، والوساطات، فإن الأمانة قد ضيعت. هذا النوع من تضييع الأمانة خطير جدًا على المجتمع، لذلك فإن من يصوّت له الشعب ويعطيه المسؤولية يجب أن يسلم الأمور لأهلها.
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: إن سبب الكثير من إخفاقات العالم هو عدم مراعاة الأمانة، ويجب علينا أن نكون أمناء لله وللناس ونعيش بأمانة؛ هذه هي أفضل حياة.


إن تطبيق العدل يضمن الأمن والسلام في العالم
واعتبر خطيب أهل السنّة “العدل في الحكم” كمثال آخر من مصاديق “الأمانة” وقال: أمر الله تعالى المسلمين بالحكم بالعدل عند الحكم بين عامة الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ولا ينبغي ترك العدالة بسبب القرابة وغيرها من الأسباب. إن العالم لا يصير آمنًا بقوة الشرطة والجيش، بل بقوة تطبيق العدالة التي تنظم وتضمن الأمن العالمي وتجلب السلام إلى العالم.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى حادثة لقاء هرمزان، رسول الإمبراطورية الساسانية بعمر رضي الله عنه، فقال: لما التقى هرمزان بعمر رضي الله عنه في خلافته، رأى عمرَ رضي الله عنه يستظل في ظل شجرة ليس له حراس ولا حماية، فاعترف عند رؤية هذا المشهد، بأن ما حصل له هو نتيجة عدالة سيدنا عمر التي جعلته يشعر بالأمان.


الأمانة هي أساس المجتمع؛ والمجتمع الذي لا تسوده الأمانة سينهار
وأكد خطيب أهل السنة في ختام هذا الجزء من كلمته قائلا: إن إضاعة الأمانة من علامات نهاية العالم وقيام القيامة. لا خير في الدنيا بلا أمانة ولا في إنسان غير أمين.
وتابع قائلا: الأمانة هي أساس المجتمع. عندما تغيب الأمانة عن المجتمع، ينهار النظام الإنساني بأكمله، ويصبح من الصعب على الناس الاستمرار في العيش.


على كافّة الشعوب والدول أن تدرس أسباب هزائمها وفشلها
وفي جزء آخر من خطبته، اعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد، الأحداث والمشكلات التي تشهدها إيران وأجزاء أخرى من العالم معلولة، وشدد على ضرورة معرفة هذه المشكلات، ومكافحة عللها.
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: على مر التاريخ، كانت الأمم تدرس إخفاقاتها وهزائمها، ولم تكن تلقي باللوم على غيرهم. في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لمّا هزم الصحابة في غزوة أحد وسألوا عن أسباب هذه الهزيمة، أشار القرآن الكريم إلى أسباب هزيمة المسلمين في هذه المعركة فقال: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران: 165]، وكان سبب هذه الهزيمة تصرف جماعة من الصحابة رضي الله عنهم من عند أنفسهم، وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبتوا على موضعهم في الجبل، ولا يتركوا ذلك المكان تحت أي ظرف من الظروف، لما كان هناك خطر تسلل العدو من الوراء على جيش المسلمين، لكن تلك الجماعة من الصحابة غادروا ذلك المكان.
وصرّح خطيب أهل السنّة قائلا: كلّ الأحداث التي تجري في العالم اليوم لها علل وهي معلولة ويجب على العالم أن يدرس “علة” هذه الأحداث، ويجب على كافة الأنظمة والمنظمات دراسة ومعرفة أسباب المشكلات والإخفاقات.


البلاد تواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة وخطيرة، ولا بد من دراسة عللها
واستطرد فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: يجب أيضاً تحليل القضايا والمشكلات الداخلية للبلاد، والآن أصبح اقتصاد البلاد مهجورا، والبلاد تواجه أزمة اقتصادية حادة، وانفلتت هذه المشكلة من السيطرة، في حين أن المشكلات الاقتصادية الحالية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، وإن معظم الضغوط متوجه نحو الشعب.
وأكّد فضيلته قائلا: إن المشكلات الاقتصادية وغيرها من المشكلات والقضايا التي تواجهها البلاد والشعب، يجب دراستها ومعرفة جذور هذه المشكلات والتهديدات.
وأضاف: الأحداث التي جرت في سوريا وغيرها من الأماكن يجب أن توضع في ميزان تحليل ودراسة لعللها، حتى يتمّ تبيين القضايا والمشكلات بشكل موضوعي، فإننا سوف نواجه المزيد من المشكلات في المستقبل.


ينبغي للشعب الفلسطيني أن يدرس مشكلاتها
وتابع خطيب أهل السنّة مؤكدا على لزوم دراسة علل مشكلات الشعب الفلسطيني: الشعب الفلسطيني ظل مظلوماً عبر التاريخ، ولم يحصل على حقوقه، ويجب على الفلسطينيين أنفسهم دراسة علل هذه القضية، ودراسة نقاط الضعف والقصور.
وصرّح قائلا: نصيحتي لحركة حماس أن تقوم بدراسة علل المشكلات غير المسبوقة الأخيرة التي حدثت في غزة، والتي راح ضحيتها نساء وأطفال (بما في ذلك هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول)، يجب أن تقوم بدراسة العلل التي أدت إلى هذه الأحداث.
وأشار خطيب أهل السنة قائلا: نحن وكل شعوب العالم نعلم أن الشعب الفلسطيني مظلوم، لكن نصيحتنا للشعب الفلسطيني المظلوم أن لا يتجاوز أو يظلم أحداً. أيها الشعب الفلسطيني، لكم الحق في الدفاع عن أنفسكم والنضال من أجل تحرير الأراضي المحتلة، والحصول على دولة مستقلة، ولكن ليس لكم الحق في الظلم على الآخرين، يجب أن تكونوا حذرين من أن لا يصدر منكم ظلم.
وأضاف: يجب على كافّة الأنظمة والدول في العالم التي تعرضت لهزيمة أن تقوم بدراسة علل المشكلات وتعلن من أين تعرضت للهزيمة، فإن الاعتراف بالخطأ والزلات دليل على شجاعة الإنسان وقدرته.


يجب على الظالم أن يخاف من عاقبة أعماله
وحذّر فضيلة الشيخ عبد الحميد في ختام كلمته من عواقب الظلم قائلا: يقول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}. هذه الآية تحذير لكل الظالمين في العالم. فلا ينبغي لمن يرتكب الظلم ويدمّر حياة الناس أن يظن أنه لا يوجد من يحاسبه، بل إن الله تعالى سيحاسب الظالم بلا شك، ويعاقبه عقاباً شديداً.
وصرّح فضيلته قائلا: يجب على الظالم أن يخاف من عواقب أفعاله، وأن يعلم أن الظلم ليست له نتائج ولا عواقب جيدة، ومن ظلم فإن الله تعالى سيحاسبه ويعاقبه في الدنيا، ولا ينبغي لإسرائيل التي تقمع اليوم الشعب الفلسطيني المظلوم أن تظن أنها في مأمن من عقاب الله تعالى، ونأمل أن تعود الأراضي المحتلة إلى الشعب الفلسطيني، وأن يحصل الشعب الفلسطيني على استقلاله ويسيطر على مصيره.

36 مشاهدات

تم النشر في: 29 ديسمبر, 2024


جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي Copyright ©