تطرّق فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (13 محرم 1446) إلى بيان الهدف الأساسي وفلسفة الحكم في العالم، معتبرا “الخدمة إلى الشعب” و”نشر العدالة”، من أهم أهداف وواجبات كل حاكم وحكومة.
يجب أن يكون الدافع الرئيسي للحكم هو خدمة الشعب
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: إن الله تعالى قد يعطى الملك والسلطة لبعض الناس حتى يتمكنوا من خدمة الناس، وتطبيق الأمن، وازدهار الاقتصاد، والشؤون الإنسانية الأخرى.
وأضاف: اليوم هناك أنظمة حكومية مختلفة في العالم، وإن الدافع والهدف الرئيسي لكل هذه الأنظمة الحكومية، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، وديمقراطية أو غيرها من الأنظمة الحكومية، لا ينبغي أن يكون الحكم فحسب، بل يجب أن يكون الدافع والهدف الرئيسي لجميع هذه الأنظمة الحكومية هو حل مشكلات الشعوب، فإذا انحرفوا عن هذا الهدف وابتعدوا وسعوا في تحصيل المصالح الدنيوية والمادية، فهذا مخالف لإرادة الله تعالى، لأن إرادة الله تعالى هي أن يخدم الحكام وجميع أصحاب المناصب والإدارات العليا الشعب، وخدمة الشعب هي أعظم عبادة ولها أهمية كبيرة عند الله تعالى.
واستطرد قائلا: في الماضي وفي عصر وجود الأنظمة الملكية في العالم الإسلامي، كان الحاكم يسمى “ظل الله في الأرض”، فكما أن الظل بارد يحمي الناس من الحر، كذلك يجب على الحاكم أن يكون الظل البارد من رحمة الله على الناس، ليرحمهم ويرأف بهم.
من واجب الحاكم رؤية كافّة طبقات المجتمع وتوفير “الأمن” و”الراحة” للجميع
وأكّد خطيب أهل السنّة في زاهدان قائلا: على الحاكم أن يرى كامل أراضي حكومته ويعتني بجميع من يسكنونها، فإذا مات مواطن في أراضي حكومته بسبب الجوع، أو سوء الصحّة والعلاج، أو سوء التغذية، أو نقص المياه النظيفة، فإن الحاكم مسؤول في كل ذلك وسيحاكم في المحكمة الإلهية يوم القيامة. وكذلك من واجب الحاكم أن يهتم باحتياجات ومشكلات جميع أفراد المجتمع. نقل عن عمر رضي الله عنه أنه قال: “لو أن كلباً مات جوعاً وعطشاً في زاوية من خلافتي سيسألني الله يوم القيامة”.
وأضاف فضيلة الشيخ قائلا: من واجب الحاكم رؤية كافّة شرائح المجتمع، من رجال ونساء، وقوميّات ومذاهب، وتوفير الأمن والمعيشة للجميع، وعدم التفريق بين المؤهلين من النساء والقوميات والمذاهب، هذا هو معنى العدالة؛ “العدل” يعني وضع كل شيء في مكانه الصحيح، وإذا لم يوضع الشيء في مكانه الصحيح فهو “ظلم”، وكل ما يتعدى “الحق” فهو “ظلم”.
المنصب مسؤولية وامتحان
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: ينبغي للحاكم أن ينشر العدل ويعمل بأسلوب يشعر المجرمون والقتلة وقطاع الطرق والمرتشون بالخوف. وعلى الحاكم أن يحارب الفساد والرشوة، حتى لو كان المجرم أو المرتشي ابنه، وإذا ارتكب أحد من المسؤولين جريمة بحق أحد أفراد المجتمع، بل ولو قام بصفع أو سب شخص ما، فيجب على الحاكم أن يحاسب هذا المسؤول حتى لا يجرؤ أي مسؤول على مخالفة القانون.
واعتبر فضيلته المنصب “مسؤولية وامتحانا إلهيّا”، وتابع قائلا: هناك الكثير من الناس يعبرون عن سعادتهم عندما يصلون إلى منصب، ويصرفون نفقات باهظة للوصول إلى السلطة، في حين أن هذا المنصب مسؤولية، والمرء يكون مسؤولاً أمام الله وأمام الناس بالمنصب، فالمنصب والسلطة امتحان من الله تعالى لكيفية قيام الإنسان بمسؤوليته وإدارة شؤون الناس.
نأمل أن تتمّ الاستجابة لمطالب الشعب الإيراني في دولة بزشكيان
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد حديثه قائلا: هناك مشكلات كثيرة في بلادنا، ونأمل أن يتمكن الرئيس الجديد من نشر العدالة. لئن استمرت الحكومة يوما واحدا ونفذ فيها العدل، خير من حكومة تقوم مائة عام ولا يراع فيها العدل والإنصاف.
وأضاف: نأمل أن تتم في دولة الدكتور بزشكيان الاستجابة لمطالب الشعب الإيراني، من نساء ورجال، وقوميات ومذاهب، ومتقاعدين، ومعلمين، وعمال، ومختلف شرائح وطبقات الشعب، وأن يتم توظيف النساء والقوميات والمذاهب والمؤهلين، وينبغي أن تجعل الأهلية أساس التوظيفات، ولا ينبغي أن يرجح مؤهلو طائفة على أخرى فی التوظیفات، فلم تتمكن أي حكومة في أي ناحية من العالم من الاستمرار بطيف واحد وطائفة خاصة.
لقد علمنا القرآن “التسامح” و”التعامل” و”التعايش السلمي”
وفي القسم الأول من خطبة الجمعة، أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى أثر القرآن الكريم في إصلاح الفرد والمجتمع، كما ذكّر الجميع بأهمية القرآن الكريم في إصلاح الفرد والمجتمع، موصيا إياهم بضرورة “التعلق بالقرآن” و”الاستفادة من هديه وتأثير هذا الكتاب الإلهي”.
القرآن محفوظ من أي نوع من التحريف
وتابع فضيلته بعد تلاوة آية “إن هذا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا”، قائلا: القرآن الكريم هاد ومبشّر؛ القرآن يرشد الإنسان إلى أقوم طريق للسعادة، والقرآن يبشّر المؤمنين وأتباعه بالأجر الحسن والثواب العظيم، وينذر من ينكره ويجحده بالعذاب الأليم.
وقال خطيب أهل السنّة في زاهدان: القرآن محفوظ من التحريف والتغيير والتبديل، وسيظلّ محفوظا إلى يوم القيامة، وجميع المسلمين متفقون على أنّ القرآن كتاب الله، على عكس الكتب السماوية الأخرى التي جرى تحريفها، والآن كل من التوراة والإنجيل له عدة نسخ، وأتباع كل نسخة لا يعترفون بالنسخ الأخرى، أما القرآن العظيم فهو نسخة واحدة بلا فروق، والاختلافات الموجودة في التلاوة والقراءة اختلافات في اللهجات، ومعنى جميع القراءات واحد، وقد نزل القرآن بسبعة أحرف لتسهيل قراءة القرآن وفهمه، ويحفظ الملايين القرآن الكريم كل سنة، ويقرأه الملايين يوميّا.
لقد علمنا القرآن العظيم “التسامح” و”التعامل” و”التعايش السلمي”
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: عندما اهتم المسلمون بالقرآن في بداية الإسلام، فتحت عليهم البركات من عند الله تبارك وتعالى، ونالوا حياة طيبة، لكن لسوء الحظ لقد ابتعدت البشرية اليوم عن القرآن، فقلما يقرأ الرجال والنساء القرآن، وهذا دليل على عدم الاهتمام بالقرآن.
وأضاف: القرآن يمنح الإنسان القدرة، وينمي موهبته، وينميه أخلاقيا ودينيا وعمليا، والقرآن يصلح المرء وأعماله.
وأردف قائلا: لقد اهتم القرآن بحقوق الله وحقوق جميع الناس، ويأمرنا بمعاملة جميع الناس بالأخلاق الحسنة، ولقد علّم القرآن الحياة السلمية، وعلم التعامل والتسامح، فإن كان المسلمون يريدون حياة طيبة ويسعون للتقدم في المجالات المختلفة، يجب عليهم أن يعيشوا في ضوء تعاليم القرآن وسنة الأنبياء.
وتابع فضيلته قائلا: الكتب السماوية وسيرة الأنبياء والعقل، هي الأركان المهمة للهدي، وهي من الرحمة الإلهية والنعم العظيمة التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان، والعقل يقول للمرء: اتبع القرآن الذي يرشدك للطريق الأفضل.
الجميع محتاجون إلى القرآن الكريم
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد: كلنا نحتاج إلى أن يطبّق القرآن في حياتنا، ولا أحد يستغني عن القرآن، فأحيوا القرآن في حياتكم وقوموا بتلاوته، ففي تلاوة القرآن أجر، والنظر إليه قرة للعين، وحفظه نور للقلب، ولا يستغني عن القرآن أساتذة الجامعات ولا أساتذة المدارس الدينية، بل يجب على الجميع أن يتعلموا القرآن ويتبعوه.
وأضاف: للأسف، ليس السلوك والأخلاق اليوم قرآنيا، والناس يقبلون على العديد من الخرافات التي لا وجود لها في القرآن والسيرة، في حين يجب على الناس أن يتبعوا النور والهدي الموجودين في القرآن الكريم.