أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (28 ذي الحجة 1445) إلى طريقة الحكم والسلوك العادل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وأهل البيت.
وأضاف فضيلته قائلا: عندما كان علي رضي الله عنه يرسل ولاته، ينصحهم بكيفية معاملة الناس، وأمر عمر رضي الله عنه بهدم المانع الذي أنشأه والي مصر، وأنه لا ينبغي أن يكون هناك مانع أمام الناس للالتقاء وسماع كلامهم.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: لقد أحاطت طوائف بشاه إيران السابق بحيث لم يتمكن الشعب من الوصول إليه ولم يتمكنوا من التحدث معه وجهاً لوجه، وعندما كانت ثورة 1979 على وشك الانتهاء قال الشاه: «سمعت رسالة ثورة الشعب».
وأشار فضيلته أيضا إلى تجربة الانتخابات البلدية الأخيرة في تركيا وقال: في هذه الانتخابات، عندما هُزم حزب العدالة والتنمية الحاكم وفاز حزب المعارضة، جاء أردوغان إلى الساحة وخاطب الشعب التركي وقال: «تلقيت رسالتكم».
كانت لانتخابات الأسبوع الماضي رسالة كبيرة
وأكد خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: إن انتخابات الأسبوع الماضي كانت لها رسالة عظيمة لمسؤولي بلادنا، وأظهرت أن مسؤولي النظام لم يكونوا يدركون واقع المجتمع، وانتشار الفقر، والاستياء الكبير للمجتمع الإيراني، ونزوح عدد كبير منهم إلى البلدان الأخرى، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، ولم يبلغ مقربوهم الحقائق إليهم، ومنعوا الناصحين من أن يطرحوا المشكلات والمسائل مع القيادة.
عدم مشاركة الشعب في الانتخابات علامة على عدم الرضا
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: أظهرت نتائج الانتخابات في الأسبوع الماضي أن 40% فقط من الناخبين الذين يمكنهم الإدلاء بأصواتهم شاركوا في الانتخابات بحسب التقرير الذي أعلنته وزارة الداخلية، وأعلن مراقبون آخرون أن عدد المشاركين كان أقل.
وصرح قائلا: عدم مشاركة 60% من الشعب في الانتخابات يعني عدم رضاهم، وليس أن لديهم عمل ولم يكن لديهم وقت؛ هذا الغياب هو علامة على عدم الرضا.
يجب على مسؤولي النظام الاستماع مباشرة إلى الشعب
وقال خطيب أهل السنّة في زاهدان: كنا نقول عن نصح وشفقة “استمعوا للشعب”، ولو سمع صوت الشعب لم يبتعد 60% من الشعب من الصناديق، ونتمنى أن يتلقى المسؤولون الرسالة، وأن يعيدوا النظر في تصرفاتهم، ويجلسوا مع الشعب مباشرة ومن دون وسطاء، ويستمعوا لهم.
وأضاف: قبل بضع سنوات، قال المرشد: أريد الاستماع إلى الشعب بنفسي، وقلنا: هذه خطوة جيدة، ولكن بعد ذلك اكتشفنا أنه يتم إحضار أشخاص من المناطق المختلفة لمقابلته ممن لا يتكلمون بكلمة الشعب، ولا يبلغون المطالب الأساسية والمهمة للشعب الإيراني إلى المسؤولين.
وأضاف: يبدو من كلام القيادة أنهم لم يكونوا على علم بالأوضاع، ولهذا السبب يجب أن يُسأل الكثير ممن كان ينبغي أن ينقلوا القضايا إليهم، لماذا لم يعكسوا الحقائق.
يعيش الشعب الإيراني اليوم أصعب الظروف
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: ينبغي لجميع المسؤولين في أي مكان كانوا، أن يذهبوا بين الشعب ويروا حقائق المجتمع. يعيش الشعب الإيراني اليوم أصعب الظروف، ولقد جعل التمييز وعدم المساواة وحالة الاقتصاد والمعيشة السيئة منذ 40 عامًا الشعب في وضع صعب وحرج، ولم تكن مطالب الشعب وجهوده مثمرة، ونأمل أن تتم معالجة هذه القضايا.
ليس لدينا هدف غير إرادة الخير لجميع أبناء الشعب الإيراني
وأضاف خطيب أهل السنة في زاهدان: نحن لا نبحث عن المناصب والماديات، والعيش في ثوب طالب علم أكثر راحة لنا، وليس لنا هدف سوى النصح وإرادة الخير للجميع.
الشعب الإيراني حقق الوعي
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد في الختام: إن العامل الأكبر في انتصار الشعوب هو “الصحوة”، وقد وصل الشعب الإيراني إلى الصحوة اليوم ويتخذ قراره بناء على صحوته وإرادته، ولكل إنسان “الحرية” و”الضمير” ويعمل على أساس هذه الحرية والضمير، وآمل أن يفتح الله تعالى على الشعب الإيراني طرق الخير وأبواب الرحمة.
الأحرار هم فخر الإنسانية
وفي القسم الأول من خطبة الجمعة، اعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد “وجود الشخصيات الصالحة” مصدر فخر واعتزاز للبشرية، وأوصى إلى “اتباع القيم الإنسانية” و”الرحمة على الخلائق والإحسان إليها” و”احترام الناس” و”إقامة العدل”.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى الأحداث التاريخية المهمة في شهري ذي الحجة ومحرم، قائلا: قد استشهد في مثل هذه الأيام بعض الشخصيات التاريخية في بداية الإسلام ومن صحابة رسول الله مثل سيدنا عثمان وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب والحسين رضي الله عنهم.
وتابع قائلا: الإنسانية تفتخر بتاريخ وحياة ووجود مثل هؤلاء الشخصيات، فإنهم أسوة وأئمة لجميع الأحرار، والشخصيات الصالحة هم دائمًا مصدر فخر، بل الإنسانية تكتسب قيمة ومكانة بوجود هؤلاء الشخصيات.
وأضاف خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: لقد ظهر دين الإسلام في ظروف شاع فيه الظلم والجور والقسوة والسلب والنهب في العالم، وشاعت الغطرسة والأنانية والاستبداد والفساد في ذلك الوقت، وتجردت جزيرة العرب من الإنسانية، بحيث لا يكاد يريد أحد من الإمبراطوريات العظمى أن تحكمها، لكن جاء الإسلام فكوّن من قطاع الطرق زعماء، ومن عباد الأصنام عبادا للرحمن، وتحقق العدل والمساواة في المجتمع.
الإسلام منح للمرأة مكانة وكرامة
وتابع خطيب أهل السنة في زاهدان، قائلا: كانت المرأة قبل الإسلام مظلومة مذمومة؛ لم تكن لها أي حقوق أو ميراث أو حق تملك، وكل ما كانت تملكه كان لزوجها، لكن دين الإسلام اعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة من حيث الحقوق، وأعطى المرأة المكانة والاحترام.
وأضاف: أعطى الإسلام مكانة للعبيد والإماء الذين كانوا محرومين سابقًا من العديد من الحقوق الإنسانية وكانوا يعاملون مثل الحيوانات، وقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بشأن الإماء والعبيد، وأكد على أنهم إخوة وأخوات وبشر مثلكم؛ فيجب أن تعطوهم من نفس الطعام الذي تأكلون، وتلبسوهم من نفس الملابس التي ترتدونها، ولا تكلفوهم بما لا طاقة لهم من الأفعال والأعمال، وساعدوهم على القيام بالأعمال الشاقة. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الرحمة بالعبيد والإماء وتحريرهما.
قيمة الحكومة في تطبيق العدالة
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين الناس مانعا، بل كان يكلم الناس بلا حاجب، ولذة الحكومة أن تكون مع الشعب، ويجب أن يجلس الحاكم مع الشعب ويستمع لهم بنفسه.
وأضاف: إذا كانت للحكومة أي قيمة وأهمية فهي في تطبيق العدالة، والخلفاء الراشدون لم يكونوا يطلبون الدنيا، بل كان على ثياب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان خليفة للمسلمين ثلاثة عشر رقعة، ولكن كان كل جهوده في سبيل تطبيق العدالة والمساواة، وكان يرحب بالانتقادات، ويقول دوما صديقي هو الذي يخبرني عن عيوبي، وكان داود عليه السلام حاكماً عادلاً محبباً عند الناس، وكان يخرج بين الناس متنكراً ويسألهم رأيهم في الحاكم.
وأكد مدير دار العلوم زاهدان قائلا: إن سرّ نجاح الأنبياء والأولياء كان في معيّتهم مع الناس وأن كل همهم كان في مجال إقامة العدل واسترداد حق المظلوم من الظالم، وانتشر الدين في العالم نتيجة لعدلهم وحسن أعمالهم وحسن كلامهم وأخلاقهم ومعرفتهم بالله تعالى.
وأضاف: الأخلاق مع الناس والإحسان إليهم في صدر الإسلام كان سبباً في ترحيب شعوب العالم بالدين، وأن يرحب شعوب الإمبراطوريتين العظيمتين في ذلك الوقت بتعاليم هذا الدين بكل فخر، وهكذا انتهت الدكتاتورية والاستكبار، وحل محله العدل والإنصاف والتواضع.
وصرح فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: التقوى، والجلوس مع الشعب، أجمل لباس للحاكم والعالم، وكان العلماء في الماضي يعيشون مع الناس، وربما كان بعض الناس يشتد بالقول في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه كان يسمح لهم بالكلام، وقال: إن لصاحب الحق مقالا، ولذلك فإن الاستماع إلى كلام الناس هو شطر من سيرة الأنبياء والكبار.