أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (7 جمادى الأولى 1444)، إلى أحكام الإعدام على بعض المتظاهرين بتهمة المحاربة، معتبرا هذه الأحكام فهما خاطئا من القرآن، محذرا من عواقب مثل هذه الإعدامات.
الذي يصدر بجرأة حكم الإعدام، يتجرأ على نار الجحيم
قال فضيلة الشيخ عبد الحميد: إن إصدار أحكام المحاربة ضد من احتجوا وربما ارتكبوا خطأ، هو استنباط خاطئ من القرآن الكريم. لا ينبغي أن يتهم بالمحاربة من احتج بالحجارة. ما يذكره القرآن بـ “المحاربة” هو عندما تكون جماعة مسلحة ويكون قتال. أخشى على كثير من القضاة أن يحاسبوا أمام الله يوم القيامة. أقول بصراحة إن من يصدر بجرأة حكم الحرابة والإعدام، فقد تجرأ على نار جهنم، ورد في الحديث: “أجرأكم علي الفتيا أجرأكم علي النار”. على القضاة أن ينتبهوا لو أنهم أصدروا حكم الإعدام لشخص ليس له الحق في أن يُعدم، سيحاسبون يوم القيامة. لا نجد مثل هذه الإعدامات في عهد الراشدين وفي بداية الإسلام. ابحثوا كم عملية من الإعدام تم تنفيذه في صدر الإسلام؟ نموذجنا هو صدر الإسلام، ومن ينحرف عنه سيكون فهمه عن الإسلام خاطئا.
وأضاف فضيلته قائلا: بعض الجماعات التي تسمي نفسها بالجهادية تغتال الناس ولا تحترم المساجد والعلماء ويعتقدون أنهم على طريق الإسلام لكنهم ليسوا كذلك. يجب أن نرجع إلى سيرة رسول الله في تفسير كل آية وحديث، فهو أعلى مفسر للقرآن الكريم. يجب أن نفكر، ولا ينبغي أن نفعل كحاكم وقاضٍ شيئا من شأنه أن يُشعل آخرتنا ونقع في عذاب جهنم. هذه كلمات أقولها عن إرادة الخير، وليست لدي نوايا خاصة.
وأشار مدير جامعة دار العلوم زاهدان كذلك إلى نماذج من سلوك سيدنا علي رضي الله عنه مع الأعداء والمخالفين قائلا: عندما ضرب عبد الرحمن بن ملجم سيدنا علي بالسيف وأصابه بجروح خطيرة، غضب الناس بشدة وأرادوا تقطيعه، لكن قال علي رضي الله عنه إنني ما زلت على قيد الحياة ولا يحق لأحد مهاجمة المعتدي، ونصح أولاده بأن هذا الشخص هو أسيركم ويجب أن يعامل الأسير معاملة حسنة. أن تكون المعاملة مع الأسير جيدة تعني الكثير. لقد تعلم سيدنا علي هذا التعليم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف عامل أسرى بدر من المشركين المحاربين. قاتل علي رضي الله عنه الخوارج لكنه لم يعدم أيّا من سجنائهم. لو سقط هؤلاء الخوارج بأيدينا لكنا نعدمهم جميعا.
وتابع فضيلته قائلا: من الخطأ القول إن هؤلاء أعضاء في الجماعة الفلانية ومقاتلون يجب قتلهم. هذه القضايا تتطلب مناقشة وأنا مستعد لمناقشة هذا الأمر. الذين صاغوا قانون العقوبات لنا هم بشر مثلنا. لقد قلنا مرات عديدة في هذه الخطبة أنه لا بد من إعادة النظر في هذه القوانين.
الشعب تحملكم 43 عاما، عليكم الآن بتحمّل الشعب
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: الضرب والسبّ والاعتداء على السجين مخالف لتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل البيت وأصحابه. يجب أن يُعامل الإنسان عدوه وخصمه بشكل جيد. ألسنا مسلمين؟ عاملوا السجناء بطريقة إسلامية، ولا تتهموهم بالمحاربة. المتظاهر يختلف عن المقاتل والمفسد، فهؤلاء يعترضون، ولقد عانى الشعب 43 عاما، والآن عندما احتجوا يجب عليكم أن تتحملوا أيضا.
وصرّح فضيلته قائلا: قلنا مرارا يجب أن تستمعوا لما يقوله الشعب. من المهم جدا أن يجلس المرء مع المعارضين والمنتقدين والكمال في هذا. لا ينبغي إغلاق باب الانتقادات؛ لأن منع الانتقاد يؤدّي إلى الاستبداد. هناك من ينتقد بلطف، وآخر ينتقد بشدة. لقد تعرض النبي والخلفاء الراشدون وأهل البيت لانتقادات شديدة، لكنهم استقبلوا ذلك بحلم وصبر. من ظُلم يعلو صوته وعلينا أن نتحمل هذا الصوت العالي. هذا التعليم ليس فقط لمن هم في السلطة والحكومة، بل على العلماء ورؤساء القبائل، والنخب، والنساء والرجال اتباع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشعب تعب من التمييز والفقر
وأكّد خطيب أهل السنة في زاهدان مرّة أخرى قائلا: لا تسجنوا المعارضين، بل حاوروهم وأقنعوهم إن كانوا مخطئين، وإذا قال أحدهم الحقيقة حتى لو كان أميركيا أو إسرائيليا، فعلينا أن نتبع كلامه؛ إن كلمة الحق لو قالها قاتل والد الانسان فهي الحق.
وأضاف قائلا: يجب إعادة النظر في العقوبات الجزائية الشديدة الواردة في القانون، وإذا كان هناك رأي أو استنباط، فهناك آراء واستنباطات أخرى أيضا. نصيحتنا هي التعاطف مع الشعب والاستماع لهم. نحن لسنا أعداء هذا البلد، وقد دافعنا عن الوطن في الكثير من الحالات، ولقد اتحدت أعداؤكم أن يثيروا الأزمات من ناحية بلوشستان، لكن سكان المنطقة وقفوا ضدهم، وقد وقفنا أمام الإمريكيين وقلنا لا نسمح بدخول الأزمات إلى البلاد.
وأضاف فضيلة الشيخ قائلا: لقد عانى الشعب التمييز وعدم المساواة والضغوط لمدة 44 عاما. كل الشعب الإيراني تعرض للتمييز، وكان نصيبنا أكثر. هذا التمييز كان واسعا جدا، وكان بين الشيعة والسنة، لكن الناس غضوا الطرف عنه حتى لا يستغله العدو، والآن لدى الشعب مطالب وقد تعبوا من التمييز والضغوط والفقر، فلا تسجنوهم، ولا تضربوهم. تعاملوا مع هؤلاء الشعب بلطف، هؤلاء هم شعب إيران. في الوقت الحالي أيضا لن نسمح لأي قوة أجنبيّة تجعل المنطقة غير آمنة. لقد قتلونا بالرصاص وجُرحنا هنا، لكن في أقل من ساعات أعلنا أنه يجب الحفاظ على الأمن. لقد قُتلنا لكننا لم نقتل أحداً، ومطلبنا الوحيد أن يعاقب الذين قتلوا الشعب بالذخيرة الحية، وعوائل الشهداء قالوا أيضا إننا لا نريد المال بل نريد حقوقنا وكرامتنا.
لا أحد يستطيع أن يسلب العزة التي منحها الله
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى التسريبات التي تشير إلى ضرورة تشويه سمعته، قائلا: إن الله أعطاكم القوة والملك، وكل ما نملكه فهو من فضل الله. إذا كان لي احترام ومحبة بين الشعب، فقد منحني الله ذلك. ما يعطيه الله فهو يأخذه. إن الله تعالى هو الذي يعطي العزة ويسلبها، ولا أحد يستطيع أن يسلب عزتنا، والله تعالى يكرم من يشاء. كل ما في أيدينا وفي أيدي الآخرين فهو من نعم الله وعطاياه.
وأضاف قائلا: نقول عن خير لا تعدموا المتظاهرين، ولا تضربوهم. نريد أن تكون بلادنا آمنة وموحدة. لقد قلنا مرات عديدة إنه ليس لدينا شيعة أو سنّة أو مجموعات عرقية، فكلنا إيرانيون. من الزردشتيين إلى الدراويش وجميع الأديان والاتجاهات، حتى البهائيين، جميعهم بشر وإيرانيون ويجب احترام حقوقهم. علينا الخضوع لمطالب الشعب وحل قضايانا بالحوار.
يجب أن تكون شعارات المتظاهرين ذات معنى
في النّهاية قدّم فضيلة الشيخ عبد الحميد بعض النصائح للمتظاهرين، قائلا: السب في الشعارات غير صحيح ومخالف للآداب الإسلامية. تدمير الممتلكات والمتاجر والبنوك وتحطيم النوافذ أعمال خاطئة. يجب أن يكون احتجاج كل من يحتج سلميا، وأن يطلق شعارات تحمل معنى ورسالة. أطلقوا شعارات “العدالة” و”الحرية” حتى يفهم الآخرون مطالبكم.