أكّد فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (2 ربيع الثاني 1444)، على تضامن الشعب الإيراني، معتبرا “المصالح الوطنية” الأولوية الأولى لجميع الإيرانيين.
لا ينبغي لأي حكومة أن تمارس التمييز بين الشعب
أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في خطبته إلى الوعي الاجتماعي قائلا: الوعي الاجتماعي يعني التعرف على الواجبات والمسؤوليات التي تقع على عواتقنا دينيا وإنسانيا؛ يجب أن نعرف الحقوق التي علينا والحقوق التي لنا على الآخرين ونطالب بها، والحق ثنائي، فكما لكم حقوق على الحاكم، فإن للحاكم أيضا حقوقا عليكم أيضا. لا ينبغي لأي حكومة في العالم أن تمارس التمييز بين الشعب، والتمييز وعدم المساواة غير مسموح بهما في أي قانون دولي. كل الناس بأي لغة ولون ومع أي دين هم مواطنون.
وأضاف فضيلته قائلا: إنّ الدين الإسلامى لا يسمح أبدا بأي فرق بين المواطنين، وعندما أقام النبي صلى الله عليه وسلم حكومة في المدينة المنورة، لم يفرق بين قبيلة وأخرى إطلاقاً، حتى سلمان الفارسي الذي جاء من بلاد فارس ولم يكن له أقارب، جعله الرسول من أهل البيت، وبلال الحبشي الذي كان عبداً وحرره أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كانت له مكانة جعلته من أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم. حتى آخر لحظة لم يأكل الرسول صلى الله عليه وسلم ليومين متتاليين ليعرف حالة الجياع. إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع أموالا، بل أوصى أن يكون ما تركه لعامّة الشعب. للأسف لم يتم اتباع طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن التدهورات الحالية في المجتمع سببُها هذه المشكلة.
كلّ الإيرانيين إخواننا / ننصح الظالم ولكننا لسنا معه
وأشار خطيبُ أهل السنّة في زاهدان إلى ثلاث قضايا محورية في مطالب أهل السنّة قائلا: هناك حق عام ووطني يتعلق بالشعب الإيراني بأسره، ونحن جزء من الشعب الإيراني ونشعر بالتضامن مع الشعب. نحن نعتبر كل الإيرانيين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين إخواننا، فللشيعة والسنة وجميع المذاهب الإسلامية معنا أخوة إسلامية ولدينا أخوة وطنية مع الآخرين. إن أبناء وطننا سواء كانوا يهودًا أو نصارى أو أي جماعة أخرى لا يؤمنون بالإسلام أو بالله ويعيشون في هذا البلد، وكذلك كل البشر على وجه الأرض هم إخوتنا في الإنسانية.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: كلنا كإيرانيين نشترك في المصالح الوطنية، ومن أهمّ القضايا الوطنية، الأمن والأخوة. عندما التقيت ببعض المسؤولين قلت دائما: بالنسبة لنا المصالح الوطنية لجميع الإيرانيين أكثر أهمية من أي شيء آخر.
وأضاف قائلا: ننصح الظالم، لكننا لسنا معه. كل من يقوم بالقمع في أي جزء من أجزاء المعمورة، مثل قمع الروس ضد الأوكرانيين أو قمع الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، فنحن لسنا معهم ونكره الظلم.
وذكر فضيلة الشيخ عبد الحميد القضيتين الثانية والثالثة بـ”المطالب الدينية” و”المطالب القومية” وقال: إيران تتكون من أتباع ديانات ومذاهب مختلفة، وأتباع هذه الديانات والمذاهب بحاجة إلى الحرية ولا يجوز التدخل فيها. ثم هناك مطالب قومية، لأن إيران تتكون من مجموعات عرقية مختلفة. للأسف في إيران نعاني من التمييز العرقي والمذهبي منذ بداية الثورة.
وأشار فضيلته إلى أن مطالبنا حق ولسنا مفرطين في مطالبنا، كما أن المطالب الوطنية هي مطالب جميع الإيرانيين، فإننا نصرّ أيضا على مطالبنا القومية والدينية ونعتبر ذلك حقنا القانوني. فإذا أقنعنا أحد بأننا لا نملك هذا الحق وكانت الأسباب صحيحة سنقتنع بذلك. لقد قلنا دائمًا أننا لن نتجاوز الحقيقة والإنصاف. ونقول: إن السلوك يجب أن يكون عادلا ومنصفا، ويجب علينا جميعا أن نراقب الله في أمورنا.
واستطرد فضيلته قائلا: نحن نطالب بحرية التعبير وحرية الرأي والحريات السياسية. قلنا مرات عديدة أن مشكلات إيران ليست اقتصادية ومعيشية فقط، بل هذه واحدة من المشكلات، ولكن الأهم من ذلك مشكلات الحرية. لا توجد تعددية سياسية في إيران، وما لم تكن هناك تعددية، وما لم يكن هناك برلمان وسلطات وإدارات مختلفة مؤلفة من أكفاء ومؤهلين من أتباع جميع الأديان والقوميات وأصحاب الاتجاهات المختلفة، فإن البلاد لن تنمو ولن تتطور. أعتقد أن الضعف الحالي في إدارة الدولة يرجع إلى عدم شموليتها، فلو كانت هناك حرية وشمولية لما شهدنا هذه الاحتجاجات اليوم. هذا الصوت هو صوت شعبكم، نحن نريد الخير لكم ونطلب منكم الاستماع إلى هذا الصوت والاهتمام بمطالبهم.
ندين الهجمات الإرهابية سواء في جامع زاهدان أو في شاهجراغ
أدان فضيلة الشيخ عبد الحميد الهجوم على “شاهشجراغ” في مدينة شيراز، الذي وقع مساء الأربعاء 30 ربيع الأول، وتابع قائلا: أدين الهجوم الإرهابي على “شاهشجراغ” في شيراز أيضا، وقد نفذ هذا الهجوم على أشخاص عزل ووفقاً للإحصاءات قُتل فيها 13 شخصاً. هذا الهجوم الجبان مدان، كذلك ندين الهجوم على جامع زاهدان في 3 ربيع الأول. نحن ندين قتل المصلين سواء كان في جامع زاهدان أو في “شاهجراغ” ومن أي جهة كانت.
وأضاف قائلا: لدينا أيضا شكوى من أن كبار المسؤولين تعاطفوا مع شهداء “شاهشجراغ” وتقديم تعازيهم لذويهم، وكنا نتوقع من المسؤولين أن يقدموا تعازيهم لشعبنا أيضًا لكنهم لم يفعلوا ذلك.
يجب محاكمة أي مسؤول متورط في جريمة جمعة زاهدان الدامية
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد بخصوص البيان الأخير لمجلس أمن محافظة سيستان وبلوشستان بشأن حادثة الجمعة الدامية في زاهدان: أصدر مجلس أمن المحافظة مؤخرًا بيانًا. لم نر أي نقاط إيجابية في البيانات السابقة لمجلس أمن المحافظة، وكانت هذه شكوانا من مجلس الأمن، لكن في البيان الأخير، رغم أنني لم أقرأ هذا البيان بالكامل، فهناك أيضًا نقاط إيجابية في هذا البيان، على الرغم من أنه لا يزال غير مقنع بالنسبة لنا. وقال مجلس الأمن في هذا البيان إن أهالي زاهدان قتلوا ببراءة في الجمعة الدامية، ويبدو أن الحكومة اعترفت بهذه القضية بأنها قتلت الناس ظلما. نقطة أخرى هي أن مجلس الأمن قال إنه يجب محاكمة من قتلوا الشعب وأقال البعض من مناصبهم، على الرغم من أن الذين تمّ فصلهم ليسوا على مستوى عال.
وتابع فضيلته قائلا: نحن منصفون، وكلما رأينا نقطة إيجابية نذكر ذلك. هاتان نقطتان إيجابيتان في هذا البيان، لكن مطلبنا من مجلس الأمن والحكومة أن تتمّ إقالة أي مسؤول متورط في جريمة الجمعة الدامية وتقديمه للمحاكمة مهما كان منصبه، فالعدل مهم بالنسبة لنا، لذلك نأمل أن تستمر السلطات في التعامل مع هذه القضية وألا ينجو أحد. لقد أخبرنا السلطات أنه من الواضح اليوم لنا أن هؤلاء الأبرياء قد قتلوا وأن جريمة ارتكبت بحق الناس، ونعتقد أن هذا الأمر قد أصبح واضحا للسلطات وقد وصل الجميع إلى هذه الحقيقة.
كما دعا خطيب أهل السنة في زاهدان إلى “تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق” وقال: نطالب بتعيين لجنة محايدة لتقصي الحقائق من طهران للتعامل مع هذاه القضية، اذا كانوا محايدين فسيكون رأيهم مقبولا لدينا.
لا ينبغي تعميم خطأ شخص على مذهبه وقوميته
وشدد فضيلة الشيخ عبد الحميد على ضرورة الحفاظ على أمن المحافظة قائلا: أقول هذه النقطة أيضًا بوضوح أن الأمن مهم بالنسبة لنا ومنذ اللحظة التي كنا نسمع فيها صوت البندقية، قمت بصفتي طالبا يريد الخير، بإرسال رسالة ونصحت بمراعاة الأمن، وما زلت أوصي بالحفاظ على أمن المحافظة. لا ينبغي الهجوم على ممتلكات أي شخص أو حياته أو الممتلكات العامة، ونؤكد على الأخوة مع جميع الإخوة الشيعة الذين يعيشون هنا معا. جميع المجموعات القومية التي تعيش هنا هي إخواننا. إذا ارتكب أحدهم خطأ فلا بد من معاقبة المخطئ ولا ينبغي أن ينسب خطأ أحد إلى دينه أو عرقه. نؤكد على أن أتباع جميع العرقيات والديانات في إيران إخواننا. نوصي بمراعاة هذه القضايا. يجب مراعاة كلام المتظاهرين والجماعات والمذاهب في إيران، ويجب أن نفكر في هذه القضايا وحلها.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: من المناسب لي أن أشكر جميع قبائل سيستان وبلوشستان الذين أتوا إلى هنا وأعربوا عن تعاطفهم معنا. وأود أن أشكر الله ثم إياكم أهل المحافظة وكل الإيرانيين الذين تعاطفوا معنا، على تعاطفهم ودعمهم، كما نشكر كل من أظهر اضطهادنا في الداخل والخارج ودعم المظلومين، لكني أشتكي بشدة من أولئك الإيرانيين الذين حصلوا منا على أصوات في الحكومة والبرلمان سواء في هذه الفترة أو في الفترات السابقة، وهم الآن لا يتعاطفون معنا، وهذه سنة إسلامية وعادة إيرانية تقديم التعازي له في أوقات النكبات والصعوبات.
تحكموا في مشاعركم اليوم
ونصح خطيب أهل السنة في زاهدان المتظاهرين بالاجتناب من تدمير الممتلكات العامة قائلا: يجب ألا يكون هناك تدمير للممتلكات العامة أثناء الاحتجاجات. هذا لا تسمح به الشريعة الإسلامية. لا ينبغي لأحد أن يكسر زجاج متجر شخص ما أو يتلف البنك، لكن الاحتجاج الصحيح حق للشعب وعلى السلطات أن تستمع إليه. نصيحتي لكل الضباط أن كل هؤلاء المتظاهرين هم من الشعب الإيراني وأنتم أيضا من الشعب الإيراني، يجب ألا يضرب الإيرانيون أو يقتل أو يهين بعضهم البعض.
في النهاية خاطب فضيلة الشيخ عبد الحميد المصلين قائلا: اليوم مشاعركم وعواطفكم عالية جدا، طلبي ونصيحتي لكم هي التحكم في عواطفكم اليوم.