أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (21 محرم 1444)، إلى جهود الصحابة وتضحياتهم في الدفاع عن الرسول الكريم ودين الإسلام في أصعب الظروف، معتبرا محبة الصحابة وأهل البيت من “أفضل العبادات والقيم عند الله تعالى”.
وقال فضيلته بعد تلاوة الآية الأخيرة من سورة الفتح: من أكبر المحن والابتلاءات التي واجهها الرسول الكريم وأصحابه هي واقعة صلح الحديبية. لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بعد ست سنوات من الهجرة إلى المدينة المنورة أنه يزور بيت الله الحرام ويطوف حول الكعبة، وعندما ذكر هذه الرؤيا للصحابة، فرح الصحابة بها لأنهم سوف يتمكنون بعد عدة سنوات من زيارة الكعبة المشرفة.
وتابع فضيلته قائلا: بعد هذا الحلم قرر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذهاب إلى مكة، لذلك صحبه غالبية الصحابة الذين كانوا في ذلك الوقت قرابة 1400 صحابيا. فلبس الرسول الكريم والصحابة الإحرام قرب المدينة واتجهوا نحو مكة المكرمة بعد التلبية، وعندما علم مشركو مكة قالوا إنهم سيمنعون المسلمين من دخول مكة. لذلك قاموا مع حلفائهم بقطع كل الطرق المؤدية إلى مكة. ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منطقة الحرم، برك البعير، ومهما جاهدوا لم يتجه البعير إلى مكة، ولما أداروا وجه البعير إلى الحديبية، هرول باتجاه الحديبية. قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حبسه حابس الفيل، مشيرا إلى حادثة أبرهة، لأن الله تعالى لا يريد أن تحدث في مكة حرب وتسفك الدماء. وقد أعلن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن الأمر يجب أن يحل بالمفاوضات والحوار، وأن على من لديه رأيا في هذا الشأن فليطرحه.
واستطرد فضيلته قائلا: إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعث عثمان رضي الله عنه إلى مكة سفيراً ومفاوضاً، ولما تأخر عثمان ووردت أنباء بأن مشركي قريش قاموا باعتقاله، طلب من الصحابة أن يبايعوه على الجهاد، فبايعه الصحابة بشوق ورغبة، ولقد هزت هذه البيعة أهل مكة.
وأضاف مدير دار العلوم زاهدان قائلا: اقترح رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على من جاء من جانب مشركي مكة، ورجع هذا الشخص إلى المشركين وقدم اقتراح النبي عليهم، فانزعجوا وقالوا نحن لن نقبل هذا الاقتراح، لكن قال لهم ذلك الشخص إنه من مصلحتنا قبوله، لأنني ذهبت إلى ملوك روما وإيران، لكني لم أر مثل هذا الإيمان والاعتقاد والوفاء الذي رأيته في أتباع محمد بالنسبة إلى محمد، ولن يهرب هؤلاء الأتباع من نبيهم، لذلك لا يجب أن نخوض حربًا مع هؤلاء الناس.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: إن أهل مكة وضعوا شروطًا بالغة الصعوبة لقبول الصلح مع المسلمين نظرا لجاهليتهم، وأصروا على هذه الشروط، وقبل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم جميع شروطهم حتى انزعج بعض المسلمين واستاؤوا من قبول هذه الشروط، لكن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصبر وبشرهم بأن الله يوفقهم ويسعدهم.
وتابع فضيلته قائلا: لما أُمِرَ الصحابة بالخروج من الإحرام، وتحليق رؤوسهم، وذبح ما جاءوا به معهم في هذا المكان، وأن يرجعوا إلى المدينة ويأتوا إلى مكة العام المقبل لأداء فريضة الحج، كان ذلك ثقيلاً عليهم. في البداية رفضوا القيام بذلك، فدخل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لم ير مثل هذا المشهد حتى ذلك اليوم إلى خيمة أم سلمة واقترحت أم سلمة صلى الله عليه وسلم أن يخرج هو من الخيمة ويحلق رأسه المبارك أمام الصحابة ويذبح الهدي، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة قد اطمئنوا برؤية هذه المشاهد، أنه لن يكون هناك حج إلى الكعبة هذا العام، فخرجوا أيضًا من الإحرام.
وأضاف مدير دار العلوم زاهدان: عندما عاد المسلمون إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية، نزلت الآية وبشرت الصحابة بأنهم بهذا الصلح حققوا انتصارا عظيما وأنهم غزاة الميدان. خلال السنوات العشر من معاهدة السلام انتشر الإسلام، واعتنق العديد من القبائل العربية الإسلام، وكتب النبي صلى الله عليه وسلم رسائل إلى الملوك إلى أن انتهك مشركو مكة المعاهدة ودخل النبي وأصحابه في حرب معهم، ونتيجة لذلك تم فتح مكة وأصبح غالبية أهل مكة مسلمين.
وأشار فضيلته إلى حالات أخرى من جهاد الصحابة ومرافقتهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقال: من أين يعرف أهل الدنيا ما هي المشقات والآلام التي تحملها الصحابة وأهل البيت في سبيل الله؟ كان الصحابة في الأحزاب وحنين وبدر وأحد، وهي حروب غير متكافئة، إلى جانب الرسول في أصعب المواقف، ودافعوا عن الإسلام والنبي، وأطاعوا الله والرسول، ولهذا أعلن الله تعالى رضاه عنهم في هذه الدنيا.
وأكد قائلا: لقد قام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتربية الصحابة، وكان خاتم النبيين أعظم معلم في العالم؛ ربّى الصحابة على أحسن وجه. قال الله تعالى في وصف الصحابة: «أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ»[حجرات: 3]. امتحن الله قلوب الصحابة للتقوى، لقد بشر الله الصحابة بالجنة. وقال: «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» [توبه: ۱۰]. يصف القرآن الكريم الصحابة بأنهم أعزة للغاية أمام أعدائهم ولطفاء للغاية مع بعضهم البعض. كان الصحابة مهتمين جدًا بالصلاة وكانوا ركعا وسجدا في كافة الحالات، كما ظهرت آثار نور الصلاة، والركوع والسجود على وجوههم وجباههم.
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد في ختام هذا الجزء من الخطبة: المحبة مع الصحابة وأهل البيت من أفضل العبادات والقيم عند الله تعالى، لكن لا أن تكون المحبة محبة فارغة، بل يجب أن نتبع سيرة الصحابة وأهل البيت، ونطبقها في حياتنا، وإن سيرة الرسول الكريم فوق سيرة الصحابة وأهل البيت.
يجب على المسؤولين وغير المسؤولين احترام المقدسات
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في جزء آخر من خطبته إلى إساءة بعض المسؤولين إلى مقدسات أهل السنة، مؤكدا على ضرورة الحفاظ على حرمة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتابع قائلا: إذا لم يكن في قلب أحد حب الصحابة، فإن رسالتنا إليه أن يراعي الاحترام والحرمة، ولا يسيء إليهم. يجب على المسؤولين وغير المسؤولين احترام المقدسات وهذا أمر مهم جدا.
وأضاف قائلا: كان معاوية رضي الله عنه كاتب الوحي وقد وثق النبي به، لأن كتابة الوحي لم تكن تفوض إلى كل أحد. ورد في الحديث الشريف أن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم سأل من الله الهداية لمعاوية رضي الله عنه فقال: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ».
لستم أعلم بمعاوية من الحسن رضي الله عنه
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: عندما استشهد سيدنا عثمان رضي الله عنه، حدث خلاف بين المسلمين ووقعت حرب جمل وصفين، لكن صالح الحسن مع سيدنا معاوية رضي الله عنهما، وسلم له كامل أراضي العالم الإسلامي. لا أحد يستطيع أن يدعي أننا نعرف معاوية أفضل من الحسن رضي الله عنه، بل كان الحسن أعرف منا بمعاوية، وإن كنا ننسب العصمة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، ولكن وفقًا لمعتقدات الشيعة الأعزاء، فإن الأئمة معصومون والمعصوم هو الذي لا يخطئ، لذلك كان عمل الحسن صحيحا وعن معرفة.
لا نقبل أن يمنع عناصر الشرطة عن صلاة الجماعة / اتركوا الناس حتى يصلوا في المصليات الشخصية
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى الضغوط والتضييقات التي يواجهها أهل السنة بسبب إقامة صلاة الجماعة في المصليات في بعض مدن البلاد، قائلا: أهل السنة موجودون في جميع المدن الكبيرة والصغيرة في البلاد، وهذه البلاد ملك للجميع وهي ليست فقط للشيعة أو السنة أو لقومية واحدة دون غيرهم، ولكن للأسف في كل المدن لا يسمحون لأهل السنة ببناء مساجد ولدينا شكوى من ذلك. المسجد بيت الله وليس بيت الشيعة أو السنة، ومطلبنا أن يسمح ببناء المساجد في جميع المدن.
وأشار فضيلته إلى حظر إقامة الصلاة في المنازل السكنية أيضا فضلا من عدم الإذن ببناء المسجد، وتابع قائلا: في كثير من المدن، بما في ذلك طهران، حيث يطالب أهل السنة فيها ببناء مسجد منذ سنوات، لا يسمحون ببناء مسجد. نقول للمسؤولين على الأقل اتركوا الناس يصلون في بيوتهم.
وتابع فضيلته: أهل السنة يرفضون أن يدخل عناصر الشرطة أو الأمن المصليات والمنازل التي تقام فيها الصلوات ويمنعوا المصلين من أداء الصلاة. يقولون أحيانا أن هذه الأرض للسكن وليست للصلاة، فلا ينبغي أن تصلوا فيها؛ بينما هذه الأرض كلها في الواقع جعلت مسجدا وأنت الذي بنيت فيها منزلاً لك. كونوا منصفين، ما هذا الذي تتحدثون عنه؟
وأضاف خطيب أهل السنة قائلا: قاموا أخيرا بضغوطات على المصليات، وأنا في حيرة من هذا الأمر، ولا أرى أن المرشد أو الرئيس راضيان بهذا الأمر. ليعلم العناصر قصيرو النظر أن الشيعة والسنة إخوة، ومن أراد إفساد هذه الأخوة سيعاقب بإذن الله تعالى.
هذه التصرفات ليست في مصلحة الجمهورية الإسلامية
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى العقبات الأخرى التي توضع في طريق إقامة صلاة الجماعة لأهل السنة في القرى، وتابع قائلا: يقولون يجب أخذ التصريح لبناء المسجد في القرية. أي مبنى في القرية يملك إذنا حتى يملك المسجد ذلك؟! اجتبوا من مثل هذه التصرفات. أقسم بالله أن هذه الأعمال لا تفيد الجمهورية الإسلامية! نحن نريد الخير والنصيحة لكم. يجب أن ترحبوا إذا وجدتم الشعب يصلي. في بعض الأحيان لا يُسمح للسنّة بأداء صلاة الجماعة في الثكنات.
كل من يثير المسائل المذهبية يعدّ من أهل الفتنة
وذكر فضيلته أنّ إحدى أهم مهامّ الحكومة الدينية إقامة الصلاة وأضاف: ليس للجمهورية الإسلامية ما هو أهم من الصلاة. عندما يبدون ضيق الأفق بالنسبة إلى المصليات، فإن هذه طائفية، ويجب التصدي لها. مطلبي من السلطات أن يهتموا بهذه القضايا حتى لا ترفع صرخة فيما يتعلق بالقضايا الدينية. كل من يثير القضايا الدينية فهو من أهل الفتنة. الجمهورية الإسلامية تعني الحكومة الدينية، ويجب على أولئك الذين لم يفهموا أن يدركوا بأنه لا توجد رسالة للحكومة الإسلامية أهم من الصلاة، فأول واجب ورسالة في المسائل الدينية هي إقامة الصلاة، كما يقول القرآن الكريم: «الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ للهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ».
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: أوقفوا كل من ينطق بكلمات مثيرة للجدل، لكن لا تمنعوا من الصلاة، لأن المنع يجلب سخط الله تعالى. نحن نتمسك بالوحدة، ونتوقع من مرشد الثورة أن يتولى قضية حريات أهل السنة بنفسه، ونطلب من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس والقضاء الإشراف على هذا الأمر.
يجب الحظر على الإهانة إلى مقدسات جميع الأمم
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في نهاية خطبته إلى الهجوم على سلمان رشدي، مطالبا المجتمع الدولي بالتمييز بين حرية التعبير والإهانة، وأضاف قائلا: نعتقد بحرية التعبير ولكننا نرفض الإهانة. إذا تحدث شخص ما في إطار التفكير والمنطق، فيجب على العالم أن يضمن حريته في التعبير، لكن التعبير يختلف عن الساءة والإهانة. لا يمكن للأمة الإسلامية أن تقبل الإساءة إلى الأنبياء والقرآن.
واستطرد فضيلته قائلا: نطالب الأمم المتحدة وجميع المجامع الدولية بإصدار قانون يمنع الإساءة ليس إلى معتقدات المسلمين فقط، بل إلى معقتدات الأمم كلها من اليهود والمسيحيين والبوذيين. هذا هو الموقف الأكثر عدالة وهذا القانون يضمن أمن العالم.