أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (20 رمضان 1443) إلى التعاليم الإلهية للبعدين المادّي والروحي للبشر، واصفا شهر رمضان المبارك كنموذج من البرامج المعنوية من جانب الله تعالى لإصلاح البشر وتزكيته، كما نصح فضيلته الجميع بضرورة الاستفادة من هذا الشهر الكريم، وخاصة الفرصة الذهبية في العشر الأواخر من رمضان.
وقال فضيلته: إنّ الله تعالى وضع نظامين لحياة الإنسان؛ أحدهما هو “النظام المادي” والآخر هو “النظام الروحي”.
واستطرد فضيلته قائلا: إنّ تعاليم الربّ في البعد المادي للإنسان كتعاليمه في البعد الروحي مهمة وقيّمة للغاية، حيث تمّت فيها مراعاة كافّة الاحتياجات المادّية وضرورات الحياة البشرية. إنّ نور الشمس والقمر والنجوم وكل أسباب العيش التي وضعها الله تعالى على الأرض، هي في اتجاه توفير المنافع والحاجات المادية للإنسان.
وأضاف فضيلته قائلا: لقد جعل الله تعالى نظاما آخر لحياة الإنسان، وهو “النظام المعنوي”. وضع الله تعالى البرامج الروحية لتوفير الغذاء الروحي ولإصلاح البشر وتزكيته.
كانت بعثة الأنبياء ووحي الكتب السماوية من البداية إلى خاتم الأنبياء ونزول القرآن الكريم في طريق هذا البرنامج والنظام الذي تمّ توفيره للإنسان باسم الدين.
واستطرد خطيب أهل السنة قائلا: إنّ الاهتمام بالحاجات “المادية” و”الروحية” للإنسان من جانب الله سبحانه وتعالى، يدلّ على التدبير الإلهي الذي لا مثيل له. لا توجد قوة أو حكومة أو نظام أو أمّة في العالم تشبه مخططاتها المادية والثقافية، تعاليم الله تبارك وتعالى ونظامه.
وصف فضيلته شهر رمضان المبارك بأنه مثال على “التعاليم المعنوية والروحية”، وأضاف قائلا: شهر رمضان الكريم من تعاليم الله؛ لقد جعل الله تعالى هذا الشهر ليجعل الإنسان في بيئة روحية قوية؛ كما أننا لا نملك مثل هذه البيئة في الأشهر الأخرى من هذا العام. يحتاج العالم الإسلامي إلى بيئة تكون المعنوية فيه قوية، ليمكن للمسلمين جبر نقائصهم.
وتابع مدير جامعة دار العلوم زاهدان قائلا: إنّ الله سبحانه وتعالى قد جاء بشهر رمضان الكريم وليلة القدر حتى يمكن للذين كانوا يفكرون في الأمور المادية خلال الأشهر الأخرى من العام، أن يجدوا فرصة في هذا الشهر للتفكير في المعنوية والآخرة، ويتقرّبوا إلى الله تعالى.
لنستفد من فرصة العشرة الأخيرة الذهبية للتقرّب إلى الله تعالى
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى نزول القرآن العظيم في شهر رمضان المبارك، وفي ليلة القدر، وتابع قائلا: إنّ ليلة القدر لها مكانة ومنزلة كبيرة، حيث اختارها الله لنزول القرآن الكريم. لم يعيّن الله تعالى “ليلة القدر” متى هي؟ يقول البعض: إن ليلة القدر هي ليلة خاصة في العقد الأخير من شهر رمضان المبارك، لكن مجموعة أخرى من العلماء يعتقدون أن ليلة القدر ليست في ليلة خاصة، بل في ليالي الوتر من العقد الأخير، وتؤيد الروايات هذا القول والرأي أكثر.
وأضاف فضيلته قائلا: العشر الأواخر من شهر رمضان هي أيّام خاصة وأيام مشرقة. وردت في الروايات أنّ النبي الكريم صلّى الله عليه وسلم كان يعتزل الأهل في العقد الأخير، ويتطرّق إلى المناجاة والذكر والدعاء. ورد في الحديث أنه كان يعتكف كل سنة في العقد الأخير من رمضان، ولم يستطع نظرا لعذر أن يعتكف في عام، فجلس عشرين يوما في العام القادم، والاعتكاف من العبادات الكبيرة، ومن العبادات التي يقوم بها أولو العزم.
وأكّد خطيب أهل السنة قائلا: جميع أيام رمضان فرصة، لكنّ العشرة الأخيرة فرصة ذهبية. نصيحتي للجميع أن يستفيدوا استفادة كاملة من هذه الفرصة الذهبية للتقرّب إلى الله تعالى. في هذه الأيام أكثروا من تلاوة القرآن الكريم، واشتغلوا بذكر الله تعالى، وتبرعوا على المحتاجين والفقراء وأهالي الأسرى والمدارس الدينية وأئمة المساجد.
كما أوصى فضيلته بإخراج الزكاة في رمضان، وقال: أخرجوا زكاة أموالكم وأنفقوها في سبيل الله. ثروتك الحقيقية هي أن تصدق في سبيل الله وتدخر للآخرة، والغريب أن الإنسان يحب مال الدنيا أكثر من نفسه، ولا يرغب في أن يتبرع بجزء من ثروته في سبيل الله ويخلص نفسه من عذاب القبر ونار الجحيم.
نحن قلقون بالنسبة إلى مستوى التدين والمعنوية في مجتمعنا
وعبّر فضيلة الشيخ عبد الحميد عن قلقه البالغ من ضعف علاقة المجتمع بـ “الدين” و”الرب” ، قائلا: مجتمعنا فيه مشكلة، ونحن قلقون على مستوى تدين المجتمع، ومعنويته. لسوء الحظ، ابتعد الناس في المجتمع عن الدين والمساجد. الذي لا يدفع زكاة أمواله، ولا يصلي، أو يقصر في أدائها، ولا يصوم رمضان، ولا يرغب في الذهاب إلى المسجد، فهو في الواقع هارب من الدين، والهروب من الدين يعني الهروب من الله تعالى. الذي يحب شخصا ما، يريد دائمًا أن يكون في منزله؛ والمساجد بيوت الله، وإن أحببنا الله تعالى فعلينا التعلق مع المساجد.
ونصح فضيلته عامة الناس، وخاصة الشباب، على “التعلق بالمساجد” و تابع قائلا: نصيحتي لجميع المسلمين أن يعودوا إلى الدين والمسجد والانضمام إلى صفوف الركوع والسجود، لأن هذا الصف، هو أفضل صف، وهو الصف الإلهي، ولقد أمر الله تعالى قائلا: “وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ”. كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أداء الصلوات الخمس في المساجد ومع الجماعة.
وأكد فضيلته قائلا: الذين لم يصوموا بعد، عليهم أن يلتحقوا بشهر رمضان المبارك في العشرة الأخيرة، ويتعلقوا بالمساجد، وأن يتصالحوا مع الله تعالى، ويقيموا علاقتهم مع الله. أيّها الشابّ الذي ابتليت بالإدمان، وأيها الشاب الذي تستهين بشهر رمضان المبارك وتذهب إلى المقاهي في نهار رمضان، ولا تصوم، وأيّها الشاب الذي فاتتك الصلاة! تعال والتفت إلى ربك في هذا الشهر المبارك حيث تفتح أبواب الرحمة الإلهية، وخالِف شهوات النفس والشيطان، وتب إلى الله تبارك وتعالى.
واستطرد فضيلته قائلا: أشدّ الناس حرمانا هو من حرم من الرحمة الإلهية في شهر رمضان المبارك، وأكثر الناس حرمانا وبؤسا هو من حرم من الرحمة الإلهية والمغفرة في ليلة القدر.