دعا فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة ورئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان، إلى التمسك بالمحاور القرآنية الثلاثة وهي: “التقوى”، و”الاعتصام بحبل الله” و”الدعوة إلى الله”، للحصول على وحدة حقيقية بين المسلمين.
جاء ذلك خلال كلمته في الدورة الثالثة لـ”ملتقى صلاح الدين الأيوبي الفكري الدولي”، الذي نظمه معهد “صلاح الدين” البحثي بالتعاون مع حزب “الهدى” التركي، اليوم السبت (25 صفر 1443) عبر تقنية الاتصال المرئي.
وأكد فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: “ما لم تتحقق هذه المحاور الثلاثة، لن تتحقق وحدة حقيقية بين المسلمين، بل تبقى وحدة شكلية أو سياسية، والوحدة الشكلية أو السياسية ليست وحدة دائمة ولا قيمة لها”.
وفيما يلي نص خطاب فضيلة الشيخ عبد الحميد:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ألف بين المؤمنين، وجعل اجتماع كلمتهم واتحاد جمعهم من صميم الدين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين. أما بعد:
قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علىٰ شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذٰلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولٰئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولٰئك لهم عذاب عظيم “.
بداية أحييكم جمعيا بتحية الإسلام الخالدة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأرى من اللازم أن أوجه شكري وتقديري إلى القائمين بهذا المؤتمر النبيل، حيث أتاحوا لي فرصة المشاركة، وإلى سائر المشاركين من المشائخ والعلماء والنخب، وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والنجاح.
أيها السادة! إن الله تعالى ذكر في هذه الآيات ثلاثة محاور، وذكر قبلها مؤامرات اليهود والنصارى لإضلال المسلمين وإغوائهم، ثم ذكر هذه المحاور التي هي نقاط قوة للمسلمين، فإذا طبقوها في حياتهم، يحفظون بها أنفسهم من مؤامرات الأعداء، ويتبدلون إلى قوة لا تُقهَر.
المحور الأول: أن يتقوا الله حق تقاته، وللتقوى درجات وحق التقاة أن تكون التقوى في حياة الإنسان كاملة.
والمحور الثاني: هو الاعتصام بالله جميعا وعدم التفرق.
والمحور الثالث: هو ما أشار إليه بقوله: “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون وبالمعروف وينهون عن المنكر”. ولا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب المسلمين بصفة عامة، كما قال تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”، ولكن يجب أن تكون هناك جماعة من المؤمنين تجعل همها الدعوة إلى الخير وإصلاح الإمة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فما لم تتحقق هذه المحاور الثلاثة وهي “حق التقوى” و”الاعتصام بحبل الله” و”الدعوة إلى الله”، لن تتحقق وحدة حقيقية بين المسلمين، بل تبقى وحدة شكلية أو سياسية، والوحدة الشكلية أو السياسية ليست وحدة دائمة ولا قيمة لها.
إذا قمنا بدراسة علل مأساة المسلمين في فلسطين، نصل إلى هذه الآية حيث يقول تعالى مخاطبا بني إسرائيل: “لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا”، وإن هذه الآية وإن وردت بشأن بني إسرائيل ولكنها تشمل حال المسلمين أيضا.
“فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا. ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا. إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا”.
تدل هذه الآيات على أن المؤمنين السابقين وهم بنو إسرائيل كلما عصوا وأفسدوا، تعرضوا هم وبيت المقدس للظلم والعدوان، وكأنّ هناك سنة إلهية أن الجبابرة لا يسيطرون على الكعبة، ولكن كلما غفل المسلمون وابتعدوا عن دين الله تعالى، يسيطر عليهم الجبابرة في بيت المقدس. وتعلمون أن القدس تعرض للعدوان والاحتلال مرتين في زمن بني إسرائيل كما نطق به القرآن، وحدث مثل ذلك مع المسلمين، حيث احتل الصليبيون القدس أولا ثم حرره صلاح الدين الأيوبي، ثم لما انتشر الفساد والمعصية بين المسلمين في عصرنا، تم احتلال القدس والأقصى مرة أخرى.
وقوله تعالى “وليتبروا ما علوا تتبيرا” هو القصف وتدمير منازل المسلمين.
قال تعالى: “عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا”. وعد الله بأن العباد إذا عادوا بالفساد، يعود الله بالعقاب، ويرحمهم إذا تابوا. إن بني إسرائيل حينما تابوا عادوا إلى القدس، فكذلك إذا تاب المسلمون وتمسكوا بمحاور التقوى والاعتصام بحبل الله والدعوة إلى الله، سيكون بإمكانهم تحرير القدس، وإن نصر الله مع المسلمين الذين يطيعون أوامر الله، “ولينصرن الله من ينصره”. أما الذين يرتكبون المعاصي ويتركون الفرائض والواجبات ويضيعون حقوق الله وحقوق عباده ويأتون المنكرات، فلا يستطيعون تحرير القدس والأقصى.
إن رسالة القرآن ونداء بيت المقدس أن يتوب المسلمون وخاصة الشعب الفلسطيني المجاهد، ويرجعوا إلى الله ويعملوا بأحكام الإسلام وخاصة في مجال إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
على العلماء والنخب أن يوجهوا دعوة عامة للمسلمين للعودة إلى الدين، كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة في أحد حين انهزموا، بقوله “إلي عباد الله”. ينبغي أن يوجه العلماء الدعوة نفسها للمسلمين ويدعوهم إلى الدين.
فعلينا أن نقوم بهذا الأمر الهام، وعلى العلماء أن يوقظوا الأمة وينشروا الوعي الإسلامي، ويحيوا هذه المحاور المهمة في حياتهم، التي هي في الحقيقة أصول للنجاة والبقاء، فحينئذ سوف ينصرهم الله، “إن تنصروالله ينصركم ويثبت أقدامكم”، وتكون لديهم الغيرة الإيمانية لتحرير القدس والأقصى بإذن الله تعالى، وأرجو أن يصل هذا الجهد المبارك إلى هدفه المنشود.
أسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين ويعيد إليهم مجدهم وعزهم. وأقول قولي هذا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.