تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (6 محرم 1441) بعد تلاوة آيات من سورة آل عمران إلى بيان نماذج من محبة الصحابة لله ورسوله.
وقال فضيلته: البشر في جميع الديانات السماوية دُعوا إلى محبة الله، وهذه المحبة كامنة في فطرة الناس جميعا، وإن لم يجر توجيه هذا الاستعداد الفطري للمحبة قد تنحرف من جادتها، وقد تميل نحو المخلوق وجمال الحياة المادية، وتكون سببا للفضيحة والذل، والابتعاد من الله تبارك وتعالى، وإن جرى توجيه هذه المحبة توجيها صحيحا يكون سببا للفلاح والعزة.
وتابع فضيلته قائلا: المليارات من البشر عبدوا الله بكل الوجود وأحبوه، وكم من الناس أحبوا الرسول في الأمة المسلمة، وجعلوه أحب عندهم من الأهل والولد، ورضوا بأن يفدوه بجميع ما يملكون!
وأشار فضيلته إلى نماذج من تضحيات الصحابة رضي الله عنهم في الهجرة إلى الحبشة والمدينة المنورة، قائلا: عند الهجرة ترك الصحابة الكعبة وموطنهم وثرواتهم وممتلكاتهم، وهاجروا إلى المدينة المنورة ليحضروا مجالس الرسول الكريم، ويكونوا في صحبته، ويطيعوه، وينصروه في أحلك الظروف.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: في الهجرة لما تصدى المشركون لصهيب الرومي رضي الله عنه ليمنعوه من الهجرة، خاطبهم صهيب قائلا: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأيم الله لا تصلون إليّ حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، فافعلوا ما شئتم، فإن شئتم دللتكم على مالي وخليتم سبيلي. فقالوا «نعم»، ففعل. وفيه نزل قول الله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}.
وتابع قائلا: وقائع الهجرة من مكة المكرمة إلى الحبشة، ومنها إلى المدينة المنورة تدل على محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدين الله تعالى. حياة الصحابة ملئية بمحبة الله ورسوله، وهذه المحبة هي التي أوصلت الصحابة وأهل البيت إلى المكانة الرفيعة، وتحملوا مشكلات ومشقات في سبيل الله تبارك وتعالى.
إيمان الصحابة كان عميقا ومحبتهم كانت راسخة
وتابع خطيب أهل السنة مشيرا إلى أن إيمان الصحابة كان ممتحنا: يجب أن نحب الله ورسوله أكثر من الجميع، لكن إبداء المحبة لا تكفي باللسان. في صدر الإسلام كان المسلمون يحبون الرسول حقا، ولقد امتحنهم الله تعالى في التقوى والأعمال الصالحة، وكانت محبتهم لله ورسوله قوية. {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم}.
وأضاف قائلا: محبة الصحابة كانت حقيقية، والإيمان كان يملأ قلوبهم، بحيث يقول الله تبارك وتعالى في وصفهم: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان}، وكانوا محبين صادقين لله ورسوله. لكن في عصرنا كل شيء أصبح مزورا، وماتت المحبة في القلوب، ولا نريد أن نضحي بمنافعنا وراحتنا وأموالنا في سبيل الله تبارك وتعالى.
وتابع مدير جامعة دار العلوم زاهدان قائلا: محبة الله ورسوله اكتسابية، يجب أن نسعى في اكتساب محبة الله ورسوله، وإن محبة الله تبارك وتعالى تحصل بذكره وبتذكرة نعمه المادية والمعنوية. لاكتساب محبة الرسول يجب أن نذكر النعم الله أنعم الله بها علينا بواسطته.
واستطرد فضيلته قائلا: لقد بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم جهودا وتضحيات كبيرة، وقد صرف وقته كله في تأسيس أمة مسلمة، لينجو الناس من جهنم. تتطلب هذه الجهود والمجاهدات أن ننفذ سيرة الرسول الكريم في حياتنا، ونكثر عليه من الصلاة، لأن اتباع الرسول الكريم والصلاة عليه تقيم العلاقة معه. إن كنا نرجو شفاعته في المحشر، يجب أن نذكر هذه المحبة، ونكررها في القلوب.
محبة أهل البيت من معتقدات المسلمين جميعا
ووصف خطيب أهل السنة “محبة أهل البيت” من معتقدات المسلمين جميعا، وتابع قائلا: المحبة مع أهل البيت من معتقدات المسلمين جميعا؛ فكما نحب الرسول الكريم، يجب أن نحب أولاده وأهل بيته، ونواسيهم في المظلومية التي جرت عليهم، ونتبرأ ممن ظلموهم.
واعتبر فضيلته حادثة كربلاء من الحوادث المؤلمة التي مرت على الأمة المسلمة، وأضاف قائلا: حادثة كربلاء كانت مؤلمة ومؤسفة. سيدنا علي وسائر أهل البيت كانوا متعاونين مع الخلفاء الراشدين. إنهم تعاملوا مع معاوية رضي الله عنه ولم يقوموا ضده.
وأضاف فضيلته قائلا: لكن لما تولى يزيد الخلافة بعد سيدنا معاوية رضي الله عنه، وثبت أنه ليس أهلا للخلافة، شعر سيدنا الحسين رضي الله عنه أن الوحدة بين الأمة المسلمة والدين ومنافع الإسلام في خطر، فلم يبايع الكثيرون يزيد.
وتابع فضيلته قائلا: لما راسل أهل العراق والكوفة سيدنا الحسين رضي الله عنه، ودعوه ليأتي إلى الكوفة، ليحرس من الإسلام وجهود الرسول الكريم، شعر الحسين بالمسؤولية، فجاء إلى الكوفة، فنقض جميع من بايعوا نائب الحسين بيعتهم، وسكتوا خوفا من زوال منافعهم، بل رافقوا جيش عبيد الله بن زياد، وأتوا لقتال الحسين رضي الله عنه إلى كربلاء.
قيام الحسين لم يكن لمنافع الدنيا والوصول إلى السلطة
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في قسم آخر من من خطبته إلى “أن قيام الحسين لم يكن لمنافع الدنيا والوصل إلى السلطة”، واصفا إقامة العدل، والحفاظ على الدين، من أبرز أهداف قيام الحسين رضي الله عنه.
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: سيدنا الحسين علّم الجميع درس الرجولة والشجاعة أمام الظالمين والمستبدين. الحسين رضي الله عنه لم يكن متعطشا للحكم والسلطة، وقيامه لم يكن للوصول إلى السلطة ومنافع الدنيا، بل قام للحفاظ على الدين، ولأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستشهد في سبيل ذلك.
واستطرد فضيلته قائلا: حادثة كربلاء التي وقعت لسيدنا الحسين وأنصاره، مؤسفة للمسلمين جميعا، بل مؤسفة لجميع أحرار العالم، فلو كنا في عصره لقاتلنا بجانبه جيش عبيد الله بن زياد، ولكنا نفتخر بهذا العمل.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: محبة أهل البيت تكمن في قلوب المسلمين جميعا. أهل السنة يحبون أهل البيت، ويرون أن المطلب الأهم في محبة أهل البيت هو الاتباع من سيرتهم، والتأسي بهم في حياتهم.
وأضاف مدير جامعة دار العلوم زاهدان: علامة المحبة الحقيقية للرسول الكريم والصحابة وأهل البيت، أن نتبع سيرتهم وسلوكهم. يجب أن نتبعهم في عبادتهم وتقواهم وأخلاقهم وإعانتهم للمساكين.
لا مكان في فقه أهل السنة للتعازي الرائجة، وارتداء الأسود
وأشار خطيب أهل السنة في مدينة زاهدان إلى بيان وجهة نظر أهل السنة في المصائب، قائلا: لا مكان في فقه أهل السنة وعقيدتهم باسم ذكرى التعزية وارتداء الملابس السوداء التي يعتقدها الشيعة. إن مات آبائنا وأمهاتنا وأعز أقاربنا لن نقيم الحداد أكثر من ثلاث، ولا نرتدي الأسود، لأنه لا يوجد في فقه أهل السنة شيء من ذلك.
وأضاف فضيلته قائلا: الأحاديث والروايات ترشدنا إلى الصبر والاستقامة. فأهل السنة يعملون بأحاديث وردت في الكتب الصحيحة، وليس هذا بمعنى أنهم لا يكترثون بالظلم الذي وقع على أهل البيت.
وصرح فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: المحبة مع أهل البيت من المشتركات بين الطائفتين السنة والشيعة. أهل السنة يحبون عليا وأولاده، وتسمية أهل السنة أولادهم بعلي وفاطمة وخديجة والحسن والحسين ورضا من علامة حب أهل السنة لأهل البيت.
التعرض لمواكب العزاء فتنة ومحرمة
وأكد خطيب أهل السنة في قسم آخر من خطبته على مراعاة احترام المقدسات والاعتقادات للمذاهب، وتابع مؤكدا: نطالب أن يقوم الشيعة داخل إيران وخارجها بإقامة طقوسهم الدينية والاعتقادية في أمن وهدوء تام.
وصرح فضيلته قائلا: لا يحق لأحد أن يمس طقوس الشيعة بسوء في أي نقطة من العالم، أو يُحدث لهم مشكلة. التعرض لمواكب العزاء مثير للفتنة وحرام. يجب أن يمكن لكل شخص القيام بطقوسه الدينية حسب معتقده ومذهبه.