تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (1 ربيع الأول 1440) بعد تلاوة الآيات الابتدائية من سورة “مؤمنون” المباركة إلى أهمية المؤاساة مع الناس، وإصلاح الأخلاق، وتحسين السلوك، واصفا سوء الأخلاق والسلوك، مغايرا مع تعاليم الشريعة الإسلامية.
وقال فضيلته: من القضايا الهامة في الديانات السماوية كلها بناء الإنسان، وهذا المهم يتحقق بالاعتقادات والسلوك والعبادات والأخلاق. إن دققنا النظر في الآيات والروايات، نجد أن الاعتقاد الصحيح والسلوك الحسن والأحكام والعبادات كلها مؤثر في بناء الأخلاق.
قيمة الإنسان وكماله بأخلاقه
وأشار خطيب أهل السنة إلى أهمية الأخلاق قائلا: قيمة الإنسان وكماله بأخلاقه. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. لقد روى سيدنا ابو الدرداء رضي الله عنه: “ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق”. فالصلاة والزكاة والحج وسائر العبادات لها أوزان، لكن الأخلاق أثقل العبادات وزنا.
الأخلاق مما تتفق عليه الثقافات والأمم كلها
وأضاف فضيلته قائلا: الأخلاق مقولة تتفق عليها الثقافات والأمم. مع الأسف لا يهتم الناس في مجتمعاتنا بالأخلاق، والكثير يحسب أن الإسلام ينحصر في الصلاة والحج والصوم والزكاة والعبادات. لا شك أن هذه من الأركان الهامة للإسلام، لكن الإسلام لا يختصر فيها. الإسلام دين واسع تكوّن شعبها المختلفة من الإيمان والعبادات والسلوك أخلاقنا، بل تجعلها متكاملة. فإن لم تؤد الزكاة بطريقة صحيحة، ولم تؤد الصلاة بطريقة جيدة، ولم يُعبد الله تعالى، لن تصنع الأخلاق بشكل كامل، ولن يحقق المرء التزكية.
واعتبر خطيب أهل السنة الأخلاقيات أهم من العبادات، وتابع قائلا: إن نظرنا بدقة نجد أن القرآن تطرق إلى الأخلاقيات أكثر من العبادات. ذكرت في الآيات الثمانية الأولى من سورة “مؤمنون” المباركة الجزء الأعظم من المسائل الأخلاقية. السكون والخشوع في الصلاة، والإعراض عن الأعمال العابثة، وتأدية الزكاة، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، والعفة، ومراعاة الأمانة، ومراعاة العهد، كلها من مكارم الأخلاق.
وتابع فضيلته قائلا: في آية 63 إلى 67 من سورة “فرقان” المباركة، ذكرت صفات عباد الرحمن، وأكثر هذه الصفات المذكورة من الأخلاقيات، يقول الله تعالى: “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا، وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد مشيرا إلى خطورة المفاسد الأخلاقية: روى سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أتدرون من المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار”. رواه مسلم
وتابع مدير جامعة دار العلوم زاهدان: الكثير من الناس يصلون ويحجون أيضا؛ لكنهم حرموا من الأخلاق الحسنة. لا يؤدون دين الناس وزكاة أموالهم، ولا يساعدون عوائل الأيتام والمساجين وفقراء المدينة، ولا يطعمون الطعام، ويهتكون أعراض الناس ويزعمون أنفسهم متدينين، لكنهم ليس لهم نصيب من الدين والأخلاق النبوية.
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد “الأخلاق الإسلامية” أعلى حاجات البشر، وتابع قائلا: العالم في عصرنا انحط أخلاقيا. الأخلاق الحسنة والإسلامية أكبر حاجة للبشر في عصرنا. مع الأسف ابتعد المسلمون في عصرنا أيضا عن الأخلاق الإسلامية، مع أن الإسلام استطاع أن يؤثر في العالم بالأخلاق الحسنة وبالتقوى ويفتح القلوب.
وأضاف فضيلته: إن سألكم أحد عن الطريق، تقتضي الأخلاق الحسنة أن ترافقوه خطوات وتدلوه على الطريق. إن كان مسافر لا يملك الأجرة، أو مريض لا يملك ثمن الدواء، أو فقير لا يملك ثمن الخبز، تتطلب الأخلاق الإسلامية أن تساعدوهم. الأخلاق الإسلامية تقتضي أن لا نكون غافلين من عوائل السجناء وعوائل الأيتام الذين لا معيل لهم ولا يملكون محروقات ولا ألبسة في برد الشتاء.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى أن الأمة المسلمة يجب أن تكون رحمة للعالمين، وتابع قائلا: يجب أن يكون وجودنا للعالم رحمة. خاطب الله تعالى رسوله الكريم: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”. وجود النبي الكريم كان رحمة للعالم، فقد علّم العالم الأخلاق والإيمان والسلوك الصحيح، وكان يرشد البشر إلى الطريق القويم. يجب أن يكون وجود هذه الأمة أيضا رحمة للعالم. يجب أن نتعامل مع المسلم وغير المسلم بالسلوك الحسن. يقول سيدنا أبوهريرة رضي الله عنه: “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا”.
وتابع فضيلته قائلا: من الخطأ الرائج أن السلوكيات والأخلاقيات لا تقبل التغيير. الكثير من الناس ذوي السلوك الفض الكاذب وناقض العهد، يملكون الآن أحسن الأخلاق، ويلتزمون عهودهم، وتركوا الكذب، ويجب أن نؤمن بأن الأخلاقيات تتغير أيضا بالدقة والمواظبة واليقظة والدعاء.
العقوبات الإمريكية جائرة ومرفوضة
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في خطبة الجمعة إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الإمريكية ضد إيران، واصفا إياها بالجائرة والمرفوضة، كما طالب فضيلته المسؤولين أن يتخذوا حلولا وتدابير لهذه الأزمة.
وتابع فضيلة قائلا: في الأسبوع الماضي فرضت الولايات المتحدة عقوباتها ضد بلادنا. نعتقد أن هذه العقوبات جائرة ومرفوضة، ولا ينبغي الضغط على شعب من خلال العقوبات.
واستطرد فضيلته قائلا: الولايات المتحدة تريد التغيير في إيران من خلال العقوبات، لكن التغيير في الحقيقة حق الشعب، والشعب هو الذي إذا أراد أن يغير شيئا فينبغي أن يتحقق.
الأغلبية الساحقة من الشعب الإيراني يريدون تغييرات أساسية في البلاد
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى ردود بعض المسؤولين الكبار حول العقوبات الإمريكية ضد إيران قائلا: تكلم الكثير من المسؤولين أنهم سوف يحبطون العقوبات. أنا كمواطن لي رأي آخر، وأعتقد أنه لا بد من التغييرات التي يريدها الشعب الإيراني؛ وبإمكاني أن أقول بصراحة أن الأغلبية الساحقة من الشعب الإيراني يريدون أن تحدث تغييرات هي مهمة وضرورية. نحن كمواطنيين نريد التغييرات. فيجب التغيير اكتسابا لمرضاة الشعب.
وأضاف فضيلته قائلا: لا ينبغي للمسؤولين أن يظلوا على سياسات أربعة عقود مضت، لأن تلك السياسات لا تجدي الآن، فينبغي من إحداث تغييرات توفر مرضاة الله والشعب.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: أطرح هذه المسائل كمواطن مسلم يريد الخير لوطنه، ونرجو من المسؤولين أن يستفيدوا لحل مشكلات البلاد من آراء النخب والمثقفين والعلماء في المجتمع، ويحدثوا تغييرات تلبية لمطالب الشعب الإيراني.
وأشار خطيب أهل السنة في قسم آخر من خطبته إلى وفاة كل من العالمين الجليلين الشيخ “سميع الحق حقاني” و”الشيخ محمد حسن برفي” رحمهما الله، وتابع قائلا: استشهد في الأسبوع الماضي العالم الرباني الصالح، الشيح “سميع الحق”، أحد العلماء البارزين في باكستان والذي يخدم تلاميذ مدرسته (دار العلوم حقانية) في أنحاء العالم. تقبل الله تعالى شهادته ورفع درجاته.
وأضاف فضيلته قائلا: وتوفي أيضا الشيخ “محمد حسن برفي”، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة “طبس مسينا” في محافظة “خراسان الجنوبية”. الشيخ “برفي” كان من العلماء العاملين والمشفقين في المنطقة، وأمضى حياته في خدمة الدين والمسلمين. وفاته خسارة كبيرة للمنطقة. تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جناته.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى سفره إلى “خراسان الجنوبية”: بمساعدة المسؤولين وفقنا للسفر إلى “خراسان الجنوبية” للمشاركة في صلاة الجنازة على الشيخ “محمد حسن برفي”، وأن نلتقي بأهل تلك المنطقة. المشاركة في صلاة الجنازة وحضور العلماء من محافظات خراسان وسيستان وبلوجستان وسائر المناطق، كانت سبب لتشفي صدورنا وصدور الشعب الذين أصابتهم هذه المصيبة.