أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة، في الاجتماع السادس والعشرين لتكريم خريجي جامعة دار العلوم زاهدان، الذي عقد مساء الثلاثاء 27 رجب 1438، والذي حضره أكثر من مائتي ألف شخص، إلى مرور أكثر من 38 سنة على عمر الثورة وعدم استخدام أهل السنة في الدولة خلال هذه المدة، معتبرا “توظيف أهل السنة” من أبرز مطالب أهل السنة.
وأشار فضيلته إلى الانتخابات القادمة قائلا: في الانتخابات الرئاسية يجب أن ننظر إلى المرشح ذي النظر الأوسع. يجب أن ننظر، وندلي صوتنا لشخص يكون أولا لصاح الشعب، وفي الثاني لصالح أهل السنة، ويتابع مشكلات أهل السنة أكثر.
وصرح رئيس المجمع الفقهي لأهل السنة في إيران، قائلا: مع الأسف يعاني أهل السنة من مشكلات عديدة. أهل السنة في إيران لا يرضون أن يكونوا مواطنين في الدرجة الثانية أو الدرجة الثالثة. يريدون أن يكونوا مواطنين من الدرجة الأولى، ويتمتعوا بحقوق متساوية مع سائر الشعب الإيراني. ما يقوله بعض المسؤولين أن أهل السنة مواطنون من الدرجة الأولى، هذا نوع تكلف. يجب أن يثبت هذا الكلام والمدّعى عمليا.
وأكد فضيلة الشيخ على لزوم “استخدام كفاءات أهل السنة” قائلا: مع الأسف رغم مرور 38 سنة من عمر الثورة في إيران لم يستخدم من أهل السنة وزير واحد في الدولة، مع أن بين أهل السنة كفاءات ومن تتوفر لديهم الأهلية لتولي مناصب وزارية، إن تم استخدامهم سيقدمون أفضل الخدمات للوطن.
وتابع فضيلته قائلا: أهل السنة يشاركون في الانتخابات، لكنهم يتوقعون أن يستخدم منهم في الدولة القادمة أناس كالوزراء، ونرجو كذلك أن يستخدم منهم أشخاص كنائب الرئيس، ونائب الوزير، والسفير، والمحافظ.
وأردف رئيس جامعة دار العلوم زاهدان: الذين يأمرون المسؤولين لئلا يستخدموا أهل السنة، هم أناس متطرفون يجب الوقوف في وجههم؛ كما أننا وقفنا أمام المتطرفين المنسوبين إلى أهل السنة، ولأجل هذا الموضوع تعرضنا للتهديد، لكننا نعتقد أن نتابع مطالبنا من خلال المفاوضة والحوار.
وأشار فضيلته إلى الدور المؤثر لأهل السنة في حفظ الوحدة والأمن في البلاد، وتابع قائلا: الحمد لله، أهل السنة في إيران يشعرون بالعزة والعلو أنهم لم يخونوا وطنهم، وأقول بصراحة إن مساعدة الشعب الإيراني وخاصة أهل السنة مؤثرة في توفير الأمن العام.
وصرح رئيس منظمة اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في محافظة سيستان وبلوشستان، قائلا: أهل السنة رفضوا كل من حاول إثارة الفرقة والطائفية في المنطقة، وسعينا حسب استطاعتنا لإفشال كل مؤامرة أرادت المساس بأمن المنطقة. الحمد لله يسود الأمن في المنطقة، وهذا الأمن سبب لعزة البلاد وعلوها.
وأضاف فضيلته: أهل السنة في إيران يريدون العزة والكرامة، ومن طرق هذه الكرامة استخدامهم وإشراكهم في اتخاذ القرارات الهامة.
وتابع رئيس اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في سيستان وبلوشستان: ليعلم المسؤولون أننا نخالف كل ما يمس أمن الوطن، بل نريد حياة سلمية، لكننا لن نتغاضى أبدا عن مطالبنا المشروعة، ونرى من حقنا أن نطرح مطالبنا عبر وسائل الإعلام المختلفة والطرق القانونية والعالمية. يطالب أهل السنة بمراعاة حقوقها القانونية، وأن تعطى الحرية المذهبية التي تمكنهم من إقامة الصلاة وتعليم أولادهم في مستوى البلاد.
وطالب فضيلة الشيخ، المرشدَ الأعلى بحل مشكلات أهل السنة قائلا: نحن واقفون أن حل المسائل كلها ليست عند الدولة، لأجل هذا يطالب أهل السنة من مرشد النظام الذي هو أب للشعب، أن يصدر حكمه الفاصل المبني على توظيف المؤهلين من أهل السنة في مجلس الوزراء والمستويات المختلفة.
لا بدّ من تصحيح قانون منع أهل السنة من الترشح للرئاسة
طالب فضيلة الشيخ عبد الحميد بـ “إزالة الحظر القانوني من ترشح أهل السنة للرئاسة الجمهورية” قائلا: نعتقد أنه لا بد من تعديل قانون الحظر الموجود في الدستور على تولي أهل السنة المنصب الرئاسي. هذا القانون الذي دوّنه مجلس خبراء الدستور في ذلك الوقت، كان قانونا خاطئا ويجب إصلاحه.
واستطرد فضيلته قائلا: جربنا الدستور طوال 38 سنة، وهذا الدستور من أفضل الدساتير في العالم، لكننا نعتقد إصلاح وتعديل بعض المواد في هذا الدستور. قانون الحظر على أهل السنة من الترشح للرئاسيات، يفرّق بين مكوّنات الشعب الإيراني.
لا بدّ من دراسة أزمات العالم الإسلامي
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد، أبرز علماء أهل السنة في إيران، إلى الأزمات الراهنة في العالم الإسلامي، قائلا: العالم الإسلامي يواجه مشكلات وأزمات عديدة. هذه الأزمات قبل كل شيء يجب دراستها. لا شك أن علة هذه الأزمات هي قصور المسلمين وضعفهم في العمل على الشريعة.
وانتقد مدير جامعة دار العلوم زاهدان قصور المجتمع الدولي في حل أزمات المنطقة قائلا: خطابي موجه للقوى العظمى في المنطقة، لماذا هؤلاء عاجزون إلى هذا الحد في حل أزمات المنطقة، ولماذا لا يقومون بدراسة عللها؟! ربما يتعمدون عدم حل العلة الأصلية لهذه الأزمات. لماذا تريد القوى الكبرى في المنطقة حل قضية الإرهاب والتطرف من خلال الحرب والقوة؟ لماذا لا يحاربون العلة بدل محاربتهم للمعلول؟
واستطرد فضيلة الشيخ قائلا: مع الأسف منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن عاجزون من حل أزمات المنطقة. أعضاء مجلس الأمن يختلفون بينهم؛ تتخذ دولة قرار، وتنقضه الدولة الأخرى.
وتابع فضيلته قائلا: القوى الكبرى تدعي أنها تحارب التطرف والإرهاب. نحن أيضا مخالفون للإرهاب والتطرف وندينه، لكننا نعتقد أن الأسلوب الرائج في محاربة التطرف والإرهاب ليس ناجحا فقط، بل يكلف الدول المدعية لمحاربة الإرهاب خسائر، ويسبب انتشار مشكلات وأزمات جديدة في المنطقة.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى عوامل انتشار التطرف في المنطقة قائلا: لماذا لا تحل القوى الكبرى قضية فلسطين التي تمر على احتلالها من جانب الكيان الصهيوني عشرات السنين؟ هذه القوى لا تسعى في حل هذه المشكلة وإجلاس هذا الكيان المحتل على كرسي المفاوضات، ومع ذلك يدعمونه، مع أن دعم الكيان الصهيوني يغاير المنطق.
القوى الإقليمية هي العامل الأصلي لانتشار التطرف في العالم
وأضاف فضيلته قائلا: نحن نعلم جيدا من أين ينشأ التطرف والإرهاب؛ القوى الكبرى باحتلالها وتعديها على البلاد الإسلامية، خلقت الإرهاب والتطرف. احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين، واحتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، وهجوم الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان هي العلة الأصلية للإرهاب والتطرف في العالم.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية بدعوى إزالة الاستبداد والديكتاتورية وإحلال الديموقراطية محله في العراق، لكن هذا الهجوم لم يثمر إلا الدمار للشعب العراقي. الولايات المتحدة بعد الهجوم على العراق فرض عليهم حكومة قامت بتهميش جزء كبير من أهل العراق وحرمانهم من حقوقهم. فلو جعلت الولايات المتحدة والقوى الأخرى الشعب العراقي وشعوب البلاد الأخرى جنبا إلى جنب، ولراعوا حقوق الأقليات، وأسسوا بحكومات وطنية شاملة، لما شهدنا هذه الأزمات الكبيرة في هذه البلاد.
وتابع فضيلته قائلا: في أفغانستان من يريدون تحكيم الشريعة الإسلامية والذين يريدون الديموقراطية، كلاهما من الشعب الأفغاني. لماذا تدعم القوى الاستكبارية من جماعة، وتقصف الأخرى بالقنابل التي يصل وزن واحدة منها 15 طنا؟!
واستطرد فضيلة الشيخ عبد الحميد: في عصرنا يطالب المسلمون في كثير من البلاد حكومات دينية. لماذا تخالف القوى الكبرى الأنظمة الإسلامية، ثم يعربون عن قلقهم لماذا يظهر الإرهاب والتطرف؟ في بلد يطالب جماعة حكومة دينية، وجماعة لها مطلب آخر، يجب أن يٌتركوا ليصلوا إلى نتيجة مطلوبة من خلال المفاوضات والحوار.
واعتبر خطيب أهل السنة “العداوة مع الإسلام” أهم أسباب انتشار التطرف في العالم قائلا: من المشكلات الهامة في العالم، العدواة مع الإسلام. عندما يُحرق القرآن الكريم في الغرب، وتُرسم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو خير البشر، صور ساخرة، وعندما يعادى الإسلام، لا شك أنهم يجرحون قلوب ومشاعر المسلمين، ويجعلون البعض يقبلون إلى التطرف. أحذر القوى الكبرى أن لا تعادوا الإسلام، لأن عداوة الإسلام هي عداوة الله، وتضرهم. إن كنا لا نملك قوة لكن ربنا قوي عزيز.
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد الاستبداد والديكتاتورية من عوامل نشوء الإرهاب قائلا: الحكومات المستبدة بدل أن تسمع كلام شعبها، قامت بسجنهم. هؤلاء السجناء لما خرجوا من السجون فكروا في الانتقام والتكفير والتطرف.
وأكد رئيس اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في سيستان وبلوشستان: بدل الزحف العسكري، والقصف، والهجمات العسكرية إلى البلاد، وتحريض الناس على الحرب والتطرف، لا بد من دراسة الأزمات والمشكلات. بمعرفة الأزمات والمشكلات يمكن استيعاب حقائق المجتمات أفضل وبشكل أصح. وصرح فضيلة الشيخ عبد الحميد: نحن نحب الشعوب المسلمة، لكن عمليا لا نقدر على فعل شيء، ولا يفتح لنا مجال. إن أعطي لنا مجال، نعتقد أن حل هذه الأزمات والمشكلات وإجلاس المعارضين على كرسي المفاوضات وتقسيم القدرة بينهم سهل جدا.
المبنى الأساسي لأفضل تقدم هو الإيمان والاعتقاد الصحيح
وأشار إمام وخطيب أهل السنة في قسم آخر من كلمته التي ألقاها في الاجتماع السنوي السادس والعشرين بمناسبة تكريم خريجي جامعة دار العلوم زاهدان، إلى “تخلف العالم المعاصر في مجال المعرفة والتزكية”، قائلا: نحن نعيش في عصر التقدم في المجالات المادية. العالم يفتخر بهذا التقدم والأوربيون بهذه الإمكانات، ويستهزئون بالمسلمين. وإن كان الإسلام يؤكد ويوصي إلى التقدمات والتطورات المادية، لكن العالم تقدم فقط في المجالات المادية، ولم يتطور ولم يتقدم في مجال معرفة الله وعبوديته وإصلاح النفس وتزكيتها.
وتابع فضيلته قائلا: المجتمع الغربي واجه انحطاطا في المجال الأخلاقي، لأن محبة الله ليست في قلوب أفراد هذا المجتمع، وتمكن حب المال والمنصب من قلوبهم. الرذائل تموج في قلوب البشر المعاصر، وهو أجنبي بالنسبة إلى المكارم الأخلاقية ورسول الله. مع الأسف لا يوجد جمال ديني وإيماني في الوجوه.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى عوامل صناعة الإنسان وطرق الوصول إلى الله تعالى، قائلا: أكبر تقدم ورقي أن يتزكى الإنسان إيمانيا واعتقاديا وأخلاقيا، ويزداد معرفة وعلما. الإيمان ومعرفة الله والأخلاق الصحيحة تقرب الإنسان إلى الله تعالى.
وتابع فضيلته قائلا: ثروة الإيمان التي أعطيها هذه الأمة، تنشئ في الإنسان ثورة وتطورا، وتقوي علاقته مع الله تعالى. الصحابة في بداية الإسلام تحولوا ببركة الإيمان والاعتقاد الصحيح والبركات المعنوية في جزيرة الإيمان.
أشار أستاذ صحيح البخاري في دار العلوم زاهدان إلى مكانة الصحابة قائلا: عصر الصحابة، عصر أفضل أسوة. رضي الله تعالى عن الصحابة الأعلام، وأوصلهم إلى الدرجات العلى. يقول الشيخ عبد العزيز رحمه الله: إن الله تعالى لم يخلق تحت السماء جماعة أفضل من الصحابة بعد الأنبياء.
الإيمان والتقوى؛ أفضل ثروة للإنسان
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد الإيمان والتقوى كأبر ثروة للإنسان، وأضاف قائلا: القرآن الكريم يؤكد على الإيمان والتقوى، ويوصي أن نكون مع المتقين. الإيمان والتقوى يوصل المجتمع إلى التثقف والرقي، وينشئ في الإنسان رؤية واسعة ورحابة صدر.
وأكد خطيب أهل السنة في زاهدان: إن كان العالم المعاصر يفتخر بتقدماته المادية، فالأمة المسلمة تفتخر بالقرآن الكريم وعلوم الشريعة. علم الشريعة يقرب الإنسان من منصب الخلافة الإلهية.
وتابع فضيلته قائلا: إضافة إلى العلوم المعاصرة والمادية نحتاج إلى علم يقربنا من سعادة الآخرة وينجينا من عذاب الدنيا والآخرة. الكثر من البشر الذين يدعون القوة والتفوق، هم أعداء الله تعالى. هؤلاء يصفهم الله تعالى بالبهائم.
ووصف فضيلة الشيخ عبد الحميد لباس التقوى بأفضل لباس، وتابع قائلا: القرآن الكريم، وسيرة سيد المرسلين، والأحكام الشرعية للإسلام، ثرواتنا الأصلية. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفكر دائما في آخرة الأمة ونجاتهم من العذاب الإلهي. نحن وإن كنا لا نفكر في نجاة الآخرين، بل غافلون عن نجاة أنفسنا.
وتابع فضيلته مشيرا إلى أهمية السيرة النبوية قائلا: لن تجدوا نبيا ولا زعيما تبلغ سيرته ومقولته وسلوكه مكانة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. العالم لن يجد أنزه وأطهر من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. من يجد عيبا في سنة رسول الله وسيرته، العيب والنقص في رؤيته، وهؤلاء مصابون مبتلون بالأهواء النفسانية.
الصحوة الإسلامية تموج في العالم
وصف فضيلة الشيخ عبد الحميد الأمة المسلمة ذات حضارة وثقافة عريقة، وتابع قائلا: نحن نعيش في عصر، رغم مساعي الأعداء، تموج الصحوة الإسلامية في العالم. في تركيا التي أرادت آتاتورك محو الإسلام من هذه البلاد، تموج الصحوة الإسلامية. الإسلام يموج في أوروبا وأمريكا وروسيا والغرب والشرق.
وتابع فضيلته قائلا: يجب أن يكون المسلمون عاملين على الدين ليستقر الأجيال القادمة على الطريق المستقيم. على المسلمين أن يتنافسوا في مجال العلوم العصرية. بعلمي الدين والدنيا يمكن أن نرتقي ونتقدم.
ودعا فضيلة الشيخ عبد الحميد الحاضرين إلى إعادة النظر في الحياة قائلا: يجب أن ننفذ سيرة رسول الله في حياتنا، ونترك المعصية والذنوب، ونجاهد أهوائنا وشهواتنا النفسانية. الأعداء يسعون إيقاعنا في المعاصي والذنوب وإبعادنا من الله تعالى.