header

استطاع فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في زاهدان بعد التغيير الذي حدث في البيئة السياسية للبلاد بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أن يسافر لأداء مناسك الحج بعد سنوات من فرض حظر السفر عليه.

بعد عودته من رحلة الحج، وجدنا فرصة أن نجري مع فضيلته مقابلة حول حضوره في حج هذه السنة ومشاركته ووجهات نظره في المجالس والمؤتمرات التي حضرها أثناء هذا السفر.
خلاصة ما جرى في هذا الحوار، تقدم إلى القراء الكرام.
تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد في بداية الكلام إلى مكانة الحرمين الشريفين، قائلا: للحرمين الشريفين مكانة في قلب كل مؤمن، وكل مسلم يحلم السفر إلى هذه الأماكن الدينية والإيمانية. مكة المكرمة هي مولد الرسول الكريم كذلك ومهجرسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومأوى السيدة هاجر وإسماعيل عليهما السلام. فيها الكعبة المشرفة التي هي قبلة العالم ومكان الحج ومناسكه.
المدينة المنورة أيضا مثوى الرسول الكريم في حياته وبعد وفاته. لقد أكمل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نشاطاته الدعوية في تأدية الرسالة في المدينة المنورة وتوفي هناك، وفيها الروضة المطهرة. المدينة المنورة  مدينة الصحابة وأهل البيت  الذين هم أكثر عباد الله إخلاصا وصلاحا وخير أسوة للبشر إلى يوم القيامة. المدينة المنورة ومكة المكرمة كلتاهما أرض الوحي. فيهما نزلت الملائكة وفيهما أنزل جبرئيل بالقرآن على الرسول الكريم. ورد في بعض الروايات أن سبعين ألف من الملائكة كانوا يرافقون جبرئيل أثناء نزول بعض السور.
رواية معروفة عن أم أيمن  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها. فلما انتهيا إليها بكت؛ فقالا ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت إني لا أبكي إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء.
سألنا إمام وخطيب أهل السنة عن كيفية تشرفه للحج في هذه السنة، فردّ فضيلته قائلا: وفقت بعد سنوات لم أستطع السفر لزيارة الحرمين الشريفين في هذه السنة أن أسافر أولا في بداية شهر رمضان للعمرة، وأن أسافر للحج أيضا بالتسجيل الذي تم قبل بضعة سنوات. في هذه الرحلة صرفنا معظم أوقاتنا في أعمال الحج وزيارة الحرمين الشريفين، وشاركت أيضا في مؤتمر الوحدة الذي أقامته بعثة الحج للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
 قال فضيلته حول الكلمة التي ألقاها في مؤتمر بعثة الحج: في البداية تطرقت إلى بيان أهداف الحج ورسالة الحجيج، ثم تكلمت حول أهمية وحدة الأمة المسلمة. قلت في ذلك المؤتمر أن الله تعالى دعانا إلى الوحدة قائلا: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”. وقال أيضا “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”. نرى أن للوحدة جذورا في القرآن الكريم وقد دعانا القرآن الكريم إلى الوحدة بالصراحة وحذرنا من التفرق والتشتت. قلت في ذلك المؤتمر إن من لوازم الوحدة عدم الإساءة إلى مقدسات البعض، وأن لا نستهزئ بالمذاهب االإسلامية، ونحافظ على حرمة الغير، ونتمسك بالمشتركات. ومن لوازم الوحدة محافظة حقوق الأقليات. في البلاد التي يعيش فيها الشيعة كأقلية يجب على أهل السنة مراعاة حقوقهم، وفي الأماكن التي يعيش فيها أهل السنة كأقلية يجب على الشيعة مراعاة حقوقهم.
قال فضيلة الشيخ عبد الحميد في تعريف حقوق الأقليات: الحقوق عبارة عن الحرية المذهبية وحقوق المواطنة والعدل بين المواطنين.
وأضاف خطيب أهل السنة قائلا: على المسلمين أن يتحدوا، ويحلّوا قضاياهم من غير تدخل منظمة الأمة المتحدة والقوى العظمى في العالم، لأن الدول الأخرى والقوى الكبرى لا يرغبون في حل القضايا الإسلامية. منافعهم تكمن في الخلاف بين المسلمين، وإن ضمان بقاء دولة الصهاينة في فلسطين أيضا في هذه الاختلافات. فلو كانت القوى العظمى تريد تسوية القضايا والمسائل، لحلت مشكلاتنا في فلسطين ومصر والبحرين وسوريا والعراق.
وقال فضيلته: إن مجموع هذه الأفكار والاتجاهات التي طرحتها في خطابي لقيت قبولا من جانب الحاضرين وكذلك المقيمين في المؤتمر. في هذا المؤتمر قدمت الشكر للجمهورية الإسلامية الإيرانية على تقديم خدمات للحجاج الإيرانيين وكذلك الجهود التي يبذلها ممثل الولي الفقيه في شؤون الحج حيث جعلت من الجمهورية الإسلامية أسوة في تقديم الخدمات للحجيج بين البلاد الإسلامية. كذلك قدمت شكرا للمملكة العربية السعودية على حسن استضافتها لضيوف الرحمن بالخطوات التي رفعتها في سبيل تسهيل الحج وتأدية هذه الفريضة بأفضل طريقة ممكنة.
وأشار إمام وخطيب أهل السنة في هذه المقابلة إلى مؤتمر “حقوق الإنسان” الذي أقامته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة لبحث “حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية”، قائلا: في هذا المؤتمر شارك خبراء وعلماء من أكثر من مائة دولة من دول العالم وقدمت خمسون مقالة وتبادلت ردود وأسئلة حول القضايا المطروحة فيها.
وصف عضو المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي مؤتمر حقوق الإنسان بالمفيد جدا، وأضاف قائلا: تبين في هذ المؤتمر أنه لا يوجد فرق بين حقوق الإنسان والقوانين الإسلامية، والقرآن الكريم أكد بصراحة على كرامة وحقوق الإنسان، ولقد تقدم القرآن في مواضع كثيرة في مجال حقوق الإنسان من القوانين الدولية.
وأضاف فضيلته مشيرا إلى نهاية المؤتمر المذكور: في نهاية المؤتمر المذكور صدر بيان يطالب جميع الدول الإسلامية بمراعاة حقوق الإنسان.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى مؤتمر آخر أقامته رابطة العالم الإسلامي في منى، عنوانه “أهمية الوحدة الإسلامية”، قائلا: في هذا المؤتمر الذي كان يرأسه شخص مصري، وجهت دعوة إليّ لإلقاء كلمة في موضوع الوحدة. قرأت بعض الآيات والأحاديث وتطرقت إلى ضرورة الوحدة الإسلامية، وأشرت فيها أن الوحدة أمر قرآني ثبتت بالنص الصريح ولا يستطيع أحد أن ينكرها. الوحدة ليست حاجة بل ضرورة. الأمم السابقة وصلت إلى أهدافها وغاياتها بالوحدة، والشعوب المعاصرة في العالم أيضا لتحقيق منافعها يتحدون معا، كالاتحاد الإروبي، واتحاد الشرق والغرب في كثير من مسائلها. هذه الاتحادات ليست عن ضعف وعجز، بل لأجل منافع هذه البلاد. الأمة المسلمة التي تشكلت من الفرق والمذاهب والأقوام المختلفة نظرا إلى المشتركات التي توجد بينهم جميعا، يجب أن تتجنب الاختلافات لحفظ منافع العالم الإسلامي ويتحدوا.
وتابع عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: الاتحاد العالمي للمسلمين تجعل منهم قوة عظيمة في العالم. كما أن الكثير من القوى العالمية لحفظ منافعهم وحفظ الكيان الصهيوني يتحدون، على المسلمين أيضا أن يتحدوا ويتركوا الاختلافات والنزاعات.
ووصف فضيلته مسئولية أهل الفكر والقلم ثقيلة جدا، قائلا: لا ينبغي أن يجلس العلماء والمفكرون في العالم الإسلامي فارغي البال بالنسبة إلى قضايا الأمة. بل يجب عليهم أن يبحثوا علل وعوامل تفرق المسلمين. إن أهم هذه العلل هي الظلم والتمييز والإساءة والتكفير في المجتمعات الإسلامية التي ينبغي أن ترفع هذه العوامل والعلل ليوفر مجال الوحدة والتعايش السلمي بين الفرق والمذاهب أكثر.
وقال خطيب أهل السنة قائلا: بعد خطابي في هذا المؤتمر، انعقدت جلسة سؤال وجواب، واعترض أشخاص على كلمتي في الوحدة قائلين كيف يمكن الوحدة بين الشيعة والسنة رغم الخلافات الكثيرة الموجودة بين الطائفتين؟ قرأت في جوابهم هذه الآية القرآنية الكريمة “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون”. وقلت إن الله تعالى أمرنا بالوحدة مع أهل الكتاب الذين بيننا وبينهم اشتراك في التوحيد. هذا وأن الشيعة والسنة بينمها اشتراكات أكثر من التوحيد. وهو القرآن والرسول والكعبة المشرفة. مع هذه الاشتراكات نستطيع أن نتحد.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: اقترحت في ذلك المؤتمر لكيفة الوصول إلى الوحدة أن يسافر عدد من العلماء البارزين والمشهورين في العالم الإسلامي من الفرق والبلاد المختلفة إلى جميع البلاد ويبحثوا أوضاع الأقليات وشكاويهم، ويطالبوا الحكومات بمراعاة حقوقهم كحق الحرية المذهبية والمدنية، ويضمنوا تنفيذ العدل للجميع، وكذلك ينصحوا وسائل الإعلام والقنوات الفضائية بمراعاة حرمة الغير وعدم الإساءة. مثل هذه الجماعة بإمكانها أن ترفع خطوة قيمة في مجال الوحدة.
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد حول ردة فعل المعترضين بعد الاستماع إلى الاستدلالات: المعترضون على خطابي لما استمعوا إلى النصوص القرآنية اقتنعوا ولقي اقتراحي حول الوحدة أيضا موضع قبول منهم.
وأشار فضيلته في هذه المقابلة إلى أوضاع الشرق الأوسط، خاصة البلاد الإسلامية،  وقدم اقتراحات كمخرج من هذه الأزمات الراهنة في البلاد الإسلامية، قائلا: المشكلات والأزمات التي نشهدها في الشرق الأوسط وبعض البلاد الإسلامية هي نتائج للظلم والتمييز التي تمارسها الحكومات ضد شعوبها. الحروب التي نشهدها في بعض البلاد الإسلامية لم تكن طائفية ولا مذهبية، لكن بعضها أخذت طابعا طائفيا بعد مدة، وأعتقد أن كافة هذه الاختلافات والنزاعات حدثت لكسب القدرة والحكومة. مشاركة الأفكار المختلفة والأحزاب المتفاوتة في تأسيس الحكومة هي الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمات. لنا أيضا خطة في حل مسائل المنطقة ونعتقد أن حكومات المنطقة وعلماء المسلمين لو اهتموا إلى قضايا المسلمين لكان من الميسور حل الكثير من هذه الأزمات. فالحرب المستمرة في سوريا لا يمكن حلها إلا بمشاركة واسعة وتأسيس حكومة تشمل كافة التيارات من أهل السنة والعلوية والمسيحية والأحزاب العلمانية. مشكلة العراق أيضا لا يمكن حلها إلا بحكومة وحدة وطنية تضم الجوانب المتنازعة جميعا من السنة والشيعة  والأطياف المختلفة.
 وتابع رئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان، قائلا: السبب في أن الصحوة الإسلامية واجهت تحديات في بعض البلاد مثل مصر وغيرها أن التيارات التي تولت الحكم لم تستخدم التدبير والحكمة اللازمة، وحاولت أن تستأصل الجاهلية الموجودة في فرصة قصيرة، مع أن جاهلية القرن الواحد والعشرين أكثر تعقدا من جاهلية صدر الإسلام. كذلك عداوة المعاندين للإسلام والصحوة الإسلامية أكثر وأشد من صدر الإسلام. فمن الطبيعي أن إعداد المجتمع لتقبل الأحكام الشرعية تحتاج إلى دراية وتدبير عميقين، ويجب أن تنفذ الأحكام الشرعية بشكل تدريجي.
وأضاف فضيلته قائلا: لما انتصر الرئيس مرسي في مصر وتولى الحكم كتبت رسالة إليه وأكدت فيها أن الغرب سيطر على مصر لمدة طويلة وأثر فيها، فحاولوا أن تسمحوا للأحزاب المختلفة للمشاركة في الحكم وأسسوا دولة شاملة، ونفّذوا الشريعة وأحكامها في مصر تدريجا. لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نفّذ الأحكام تدريجيا، لئلا يواجه بالمشكلات. الآن أيضا لا يمكن حل الأزمة المصرية إلا بحكومة وحدة وطنية تضم كافة الأطراف والأجنحة السياسية من الإخوان المسلمين والعلمانيين والسلفيين. في البحرين أيضا مشاركة كافة الأحزاب والأجنحة تنهي الخلافات والنزاعات، لأن كافة المشكلات الراهنة في العالم الإسلامي هي القدرة، ولو شارك الجميع في القدرة وصالحوا عليها ويتجنبوا الاستبداد والانحصار، ولا تواجه بعض التيارات والأحزاب التهميش عن القدرة السياسية، لحلت الكثير من المشكلات.
 واستطرد فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: حول بلدنا إيران رأيي أن الأقوام والمذاهب لو تمت مشاركتهم في المجالات المختلفة وفي المستويات العديدة كالسفير  وإدارة المحافظة، هذه السياسة تكون سياسة جيدة وثابتة حينئذ، وتوطد دعائم الأخوّة والوحدة. الوحدة لا يمكن تحقيقها بالمضايقات والضغوط وقوة السلاح.
وأشار فضيلة الشيخ في النهاية إلى لقائه مع الشيخ سليم الله خان (من العلماء البارزين في باكستان) في المسجد الحرام وكذلك قاضي عسكر ممثل  مرشد الثورة في بعثة الحج الإيرانية.

2145 مشاهدات

تم النشر في: 7 نوفمبر, 2013


جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي Copyright ©