أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في خطبة هذه الجمعة، إلى أن الصلاة رأس الطاعات، مؤكدا على أن العمل بالأحكام والتعاليم الشرعية سبب للفلاح والنجاح.
وقال خطيب أهل السنة في شرح آية “ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير”: أعطانا الله تعالى في القرآن الكريم رسالات هامة ورئيسية. القرآن الكريم هي الرسالة الجديدة وآخر رسالات الرب تبارك وتعالى للعالمين. فلا كتاب بعد القرآن الكريم، ولا شريعة بعد الشريعة الإسلامية للإنسانية. بما أن الطريق الذي يختاره الإنسان طريق هام، جاءت رسالات رب العالمين كرسالات لتكوين الإنسان وتوجيهه، وتوضع طريق السعادة والنجاة أمام الإنسان. كافة كلمات القرآن وآياته تشتمل على الهدى والسعادة للبشرية.
وأوضح خطيب أهل السنة في ضوء الآيات المذكورة سعادة البشرية قائلا: بيّن الله تعالى نجاة الإنسان في هذه الآية. جعل الله تعالى الركوع والسجدة التي هي كناية عن الصلاة، من أهم عوامل السعادة وهدي الإنسان. الركوع والسجدة ركنان مهمان للصلاة. خص الله هذين الركنين بالذكر، لأن الإنسان وإن كان قريبا لله تعالى في حالة القيام، لكنه أكثر قربا لله عز وجل عندما يكون ساجدا، حيث أشير في الآية الأخيرة من سورة العلق إلى هذا الموضوع. الإنسان المؤمن يقع على الأرض في حالة السجود، وهذه نهاية التذلل أمام الله تبارك وتعالى.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: ذكر الله تعالى في هذه الآية “الصلاة” خاصة، لأن الصلاة على رأس كافة الطاعات، ثم يقول “واعبدوا ربكم”. العبادة لا تنحصر في الصلاة، بل الحج والزكاة والصوم و… هذه كلها عبادات فيها فلاح الإنسان ونجاته. يقول الله تعالى: “وافعلوا الخير”، أي اعملوا الخير والصالحات. ميدان الخير واسع جدا يجب على كل مسلم أن يراعي الظروف والشرائط والزمان، ويعمل الخير الذي يقتضيه ذلك الزمان. تلاوة القرآن الكريم، والذكر، والصوم المفروض والمندوب، وإطعام الفقراء والمساكين وغيرها داخلة في الخير والعمل الصالح التي يسبب فعلها فلاح ونجاح الإنسان من العذاب الإلهي.
واعتبر فضيلة الشيخ عبادة الرب تبارك وتعالى نوعا من الجهاد في سبيل الله تعالى، قائلا: امتثال الأحكام الإلهية في الحقيقة جهاد ومجاهدة في سبيل الله تعالى، لأجل هذا يقول الله تعالى: “وجاهدوا في الله حق جهاده”. تأدية الصلاة تحتاج إلى المجاهدة والتضحية. عندما يقف الإنسان للصلاة يأتي الشيطان لمحاربته ويريد أن يجعل صلاته فاقدة الخشوع والخضوع. لكن يجب على الإنسان أن يجاهد ويدفع وساوس الشيطان بحضور القلب وبالخشوع والخضوع. فعبادة الرب تبارك وتعالى معركة جهاد بين الإنسان ونفسه، وبينه وبين الشيطان. يجب أن يقابل فيه الإنسان النفس والشيطان، ويعمل عبادة الله تعالى وعبوديته، ويصبر في سبيل عبادة الله ويستقيم عليها. يسعى قدر الإمكان أن يستوفي حق العبادة كماهي. عندما يصلي يستوفي حق الصلاة. كذلك سائر العبادات كالصلاة والحج والزكاة والصوم يستوفي حقها في التأدية. لأن الله تعالى يرجو من عباده أن يستوفوا حق العبادات ويعملوا على أحكام الشريعة بكل الوجود، وإن راحت ضحيتها أموالهم وأنفسهم.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى أن “الرسول الكريم والصحابة أدوا حق العبادات”، قائلا: الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم أدوا حق المجاهدة والسعي في سبيل الله تعالى. تحملوا جميع المشكلات والمتاعب في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحافظوا على دين الله تعالى. إنهم أدوا حق الأمانة وحق التبليغ، ولم يشعروا بالتعب في طريق الدين، وعملوا على التعاليم الشرعية في جميع المجالات والحالات. الصحابة أيضا عملوا على أحكام الشريعة وعبدوا الله تعالى حق عبادته، وواجهوا المشكلات في مسير الشريعة، حيث أعلن الله تعالى مرضاته عنهم في هذه الدنيا.
وأشار رئيس منظمة اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في محافظة سيستان وبلوشستان إلى آية “هو اجتباكم”، موضحا: يقول الله تعالى في هذه الآية “هو اجتباكم”. أول مخاطبي هذه الآية هم الصحابة والمسلمون الذين أدركوا زمان نزول الوحي. لا شك أن الخطاب يعم المسلمين جميعا إلى يوم القيامة، فكما أن الرسول الكريم إنسان مجتبى، كذلك الأمة المسلمة أمة مجتباة من عند الله تعالى. لكن علينا أن ننتبه أن اجتباء هذه الأمة هي بسبب امتلاكها لصفات جميلة. هذه الأمة أمة مجاهدة تضحي لأجل الدين بكل ما تملك. هذه الأمة مجتباة لأنها تعبد الله تعالى بكل الوجود. فكما أن مكانة هذه الأمة عظيمة، مسئوليتها أيضا خطيرة ومهمة. فلو لم تعمل بمسئولياتها تحاسب عليها.
واعتبر خطيب أهل السنة الدين الإسلامي سببا لسعادة الإنسان في ضوء آية “وما جعل عليكم في الدين من حرج”، قائلا: مع أن الله تعالى فرض عبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها على المسلمين، لكن يؤكد على هذه الحقيقة أنه لا حرج في الدين ولا مشقة فيه. ما جاء الدين ليجعل البشر في ضيق، بل جاء ليوصل الإنسان إلى السعادة والفلاح. ليس الهدف من نزول القرآن إلقاء الإنسان في المشقات والمتاعب. “طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”. بل نزل هذا القرآن للوعظ والنصيحة، ويدعو إلى هدي المتقين. فالدين يسر ولا ينبغي تقديم صورة صعبة وشديدة من الدين. بل علينا أن نعمل بالقدر الذي أمرت الشريعة الإسلامية في المسائل المختلفة ونوصي الآخرين بهذا.
لا تغلقوا الأبواب على أهل السنة، واسمحوا لهم أن يمارسوا شعائرهم الدينية والمذهبية:
وفي قسم آخر من خطبته، أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى إقامة حفلة تكريم خريجي جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان يوم الخميس 27 رجب 1434، منتقدا بعض الضغوط والعراقيل التي وضعت أمام هذه الجلسة.
وقال فضيلته: جلستنا جلسة ديينة فحسب. وما تطرح في هذه الجلسات، هي رسالة دينية، وبيان للمسائل الدينية والصحوة الإسلامية، وتبيين لوجهات نظر الدين والشريعة، والبيئة السائدة على هذه الجلسات هي بيئة دينية روحية.
وتابع فضيلته قائلا: الضرر والخسارة من جلساتنا تتجه نحو أعداء الدين والاستكبار العالمي الذين يخافون من الصحوة الإسلامية. نحن نعتقد أن في كثير من نقاط العالم يشارك المسئولون في الجلسات الدينية مثل هذه الجلسات، ليشملهم دعاء المؤمنين.
وأضاف فضيلته قائلا: في بعض البلاد يشارك مسئولون كبار في جلسات جماعة الدعوة والتبليغ. نحن نرجو من مسئولي بلادنا أن يشاركوا هكذا في جلساتنا.
وتابع خطيب أهل السنة، قائلا: نحن دائما استنكرنا التطرف والعنف، وطريقنا يبتني على الاعتدال والثبات. المتطرفون دائما هددونا واستنكروا مواقفنا. المتطرفون من السنة والشيعة يخالفوننا، ولدينا دلائل على أن المتطرفون فقط يخالفوننا، لأن طريقنا طريق الاعتدال والأخوة والمساواة.
وأردف فضيلة الشيخ عبد الحميد: مثل السنوات الماضية دعونا رئيس المحافظة وممثل الولي الفقيه ورئيس مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية والمسئولين الآخرين ليشاركوا في جلساتنا. لو كنا متطرفين لما أرسلنا قط مذكرات دعوة لمسئولي النظام.
واستطرد رئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان، قائلا: لم نكن أبدا نريد الزيادة، وإن تكلمنا عن العدالة وطالبنا بها، لأننا نرى العدالة طريق النجاة والوسطية. لسنا مخربين ولا طائفيين، ولم نكن مع المخربيين. بل نطالب حقنا المشروع والقانوني.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: أهل السنة في إيران لم يكونوا يرجون في ظل نظام يهتف بالإسلام، أن يقيم البعض حواجز على مداخل مدينة زاهدان بهدف منع الناس من المحافظات والمدن الأخرى من الحضور والمشاركة في هذه الجلسة الدينية التي لا يتوجه ضرر ولا خسارة من جانبها إلى النظام ولا إلى طائفة الشيعة. هذه الخطوة قبيحة ومغايرة للقانون.
وأضاف عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: نظامنا يسمي بـ “الجمهوري الإسلامي”، لكن مع ذلك لم تتحقق الجمهورية في بلادنا ولم يجرب الشعب الإيراني الجمهورية. أسست في الهند جامعة إسلامية، لم تكن بحاجة إلى الترخيص فحسب، بل حضر في مراسيم افتتاحها مسئولون كبار. في البلاد التي تتمع بحكم جمهوري يقيم الناس مظاهرات بكل حرية وبدون الترخيص، وتقام مؤتمرات سياسية. لكن جلساتنا التي ليست سياسية بل رسالتها هي الوحدة والأخوة والصحوة الإسلامية، لم نكن نرجوا أن تواجه بمضايقات وتقييدات خارجة من نطاق القانون، ويمنع القادمون إلى هذه الجلسة من المناطق الأخرى.
وأضاف فضيلته قائلا: في السنوات الماضية شارك ضيوف من الخارج في جلساتنا، وبشهادتهم وبشهادة مسئولي مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية كان لحضورهم نتائج إيجابية. لو كان يستمر حضور هؤلاء الضيوف في هذه الجلسات ولم يمنع من حضورهم، لكانت هناك خطوات إيجابية عملية وإيجابية في سبيل الوحدة بين المسلمين.
وأضاف فضيلته مخاطبا المسئولين: لا تغلقوا الأبواب على أهل السنة، واسمحوا لهم أن يمارسوا شعائرهم الدينية والمذهبية. لو كان أهل السنة لهم الحرية في إيران لكانوا خير سفراء للنظام في العالم، ولكانوا دعاة الوحدة والأخوة من إيران إلى كافة البلاد الاسلامية.