أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في خطبة هذه الجمعة، إلى حساسية الظروف العالمية ومؤامرات الأعداء ضد الأمة الإسلامية ووحدتها قائلا: الظروف الراهنة في المستوى العالمي حساسة ودقيقة. لقد فشل الأعداء الذين كانوا خائفين من الصحوات والحركات الإسلامية في الوصول إلى مقاصدهم وأهدافهم، فلجأوا إلى المؤامرات لإطفاء نور الإسلام وإخماده.
في الماضي كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كقوتين عالميتين في جدال ونزاع انتفع كل طرف من جهاد المسلمين على الطرف الآخر، فبعد احتلال الإتحاد السوفياتى الشيوعي لأفغانستان دعم الغرب والأمريكيون المجاهدين ضد الشيوعية. كذلك الشيوعيون استغلوا الإسلام وشجعوا المسلمين على الجهاد ضد الغرب. الشرق والغرب دائما استغل الإسلام كآلة ووسيلة للوصول إلى أهدافهم.
وتابع فضيلته مشيرا إلى حساسية الدول الكبرى بالنسبة إلى الإسلام والحركات الإسلامية: لدى الغرب خوف وحساسية بالنسبة إلى الإسلام، خاصة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي؛ ولكن كانت مجهوداتهم مثل صب الماء على النار حيث تشتعل النيران بدل أن تخمد، فجاءت هذه الثورات التي نشهدها وأثبتت أنه لا أحد يستطيع أن يطفئ نور الإسلام ولا أن يخمده. عداوة الشرق والغرب للإسلام والمسلمين زادت من حساسية المسلمين وغيرتهم تجاه هويتهم الدينية والإسلامية. ومع المليارات التي أنفقوها لأجل إمحاء الإسلام، نهض الإسلام من جديد وانتشر نوره في كل مكان، وقام ضد الاستبداد والديكتاتورية، مطالبا بالحرية لإنقاذ الشعوب.
وأضاف فضيلته :الإسلام يدافع عن الحرية ويخالف الاستبداد والديكتاتورية بقوة. الإسلام يعترف بالحرية التي تكمن في فطرة كل إنسان، وهي الحرية المعتدلة البعيدة عن الإفراط والتفريط، ويعترف بحقوق الإنسان وحتى بحقوق الحيوانات أفضل وأحسن من جميع الأنظمة والأديان. والآن عندما يسعى الأعداء أن يشعلوا بين المسلمين نيران الفتنة والطائفية، أهم سلاح بحوزتهم للوصول إلى هذه الأمنية أن يستغلوا قضية السنّة والشيعة والأقوام لإشعال الحرب والاختلافات في المنطقة. يريدون أن يوقعوا العداوة والنزاعات بين الأقوام في المنطقة. فبدأوا يبذلون جهودهم لإشعال نيران الاختلاف والطائفية بين أبناء الأمة الإسلامية، ولإشعال نيران العصبيات القومية والمذهبية. كما نشهد في بعض المناطق إشعال الاختلافات الحدودية بين البلاد الإسلامية. يقولون للشيعة خطر أهل السنة يهددكم، ويقولون لأهل السنة أن الشيعة أكبر خطر يهدد كم. ونرى آثار هذه السياسة الطائفية بين المسلمين بحيث ألصقوا إلى بعض الثورات الإسلامية التي نهضت لمطالبة الحرية والحقوق المدنية في بعض المناطق صبغة الطائفية التي أثرت في انتصارها و جعلتها في مشكلة ومأزق. في إيران أيضا يسعى الأعداء أن يستخدموا القضايا المذهبية لمصالحهم ومنافعهم. يثيرون الشيعة ضد السنّة، والسنّة ضد الشيعة . مع الأسف
المتطرفون الشيعة والسنة يزيدون من لهيب نيران الطائفية بتطرقهم إلى المسائل المثيرة للطائفية.
واستطرد فضيلته: أنا أحذر رجال الحكومة، والمسؤولين في المناطق السنية، وكذلك العلماء والمراجع للشيعة أنه ينبغي أن لا نعمل بشكل يصل العدو من ناحيتنا إلى أهدافه، ويجب أن يوسع بعضهم بالنسبة إلى البعض صدورهم.
وأردف قائلا: ربما نسمع من كثير من كبار مراجع الشيعة وهم يحذّرون الحكومة بأن الوهابيين يدخلون البلاد من الحدود الفلانية. هذه تهم وتقارير ملفقة وكاذبة نتحير منها، وهذه التقارير الكاذبة الخاطئة إلى المسئولين والمراجع توقع أكبر ضرر على النظام والثورة.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: بعض الأشخاص الذين لديهم أهداف خاصة في المناطق السنية ينقلون هذه التقارير التي هي من صنع أذهانهم من داخل المحافظة إلى المراجع والمسئولين. ندعوا الله تعالى أن يحفظنا من شرهم. هؤلاء يرون منافعهم ومصالحهم في نقل هذه التقارير إلى علماء الشيعة ومراجعهم لتخويفهم من مخاطر وتهديدات لا وجود لها في المنطقة أبدا، ولأجل إثارة الشيعة على أهل السنة، والضغط المزيد على أهل هذه المناطق.
علينا شعبا وحكومة أن نكون حذرين وواعين، ونمنع هذه التقارير المزورة. هناك بعض المواقع المتطرفة وكذلك الجرائد المتطرفة الطائفية التي تتطرق إلى بث النعرات القومية والطائفية، يجب أن تمنع عن النشاط. مع الأسف لا توجد رقابة في محافظتنا على مثل هذه النشاطات المتطرفة. إعطاء الحرية للمتطرفين يعرض أمن المنطقة للخطر.
وفي نهاية خطبته، أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى الاضطرابات التي وقعت في مدينة “راسك” بعد اعتقال بعض علماءها، قائلا: الاضطرابات الأخيرة في “راسك” واعتقال العلماء أقلق أهل السنة جميعا. ولقد طالب قرابة مائة عالم من علماء المنطقة في رسالة إلى بعض المسؤولين أن يتابعوا ملف العلماء المعتقلين بدقة، وأن لا يضيع دم أحد في هذه القضية؛ وقاتل الشيخ “جنغي زهي” الذي قُتل على أيدى عناصر مجهولين قبل مدة، لابد أن يطارد، وأن يلقى القبض عليه أيا كان، ولكن مرفوض عقلا وشرعا أن يعتقل أناس أو يعاقبوا بناء على الظن والتخمين، ما لم يثبت شيء وتهمة.
وأضاف: هذه الاضطرابات أقلقت جميع أهل السنّة، وهذه الحادثة التي وقعت في “راسك” تدل على أن قلوب الناس ومشاعرهم متألمة وجريحة، وهناك حساسية كبيرة لدى الناس بالنسبة إلى الاعتقالات التي طالت العلماء، وعلى المسؤولين والقوات الأمنية أن يتابعوا القضية بدقة وتدبير، ويكافحوا التمييز والظلم من جانب أي شخص كان، ولا تكن متابعة القضية أو مطاردة المجرم بشكل تجلب عواقب ونتائج سلبية أسوء، ووسيلة يستغلها أعداء هذه المنطقة للوصول إلى أهدافهم. عندما يقتل مواطن وإن كان مخالفا للحكومة، على الحكومة أن تبحث قضيته بالعدل ويعاقب القاتل، ولا يكن تمييز في تنفيذ العدل. قد تُرتكب جريمة قتل تتحمس لها الجهات الأمنية وتكون متابعات جادة في البحث عن مرتكبيها، ومن ناحية أخرى يقتل أناس وتمضي سنوات عليها ولا يلقى القبض على القاتل وتبقى الملفات معطلة. على الحكومة أن تتابع ملفات القتل بشكل لا يميّز بين قتل دون قتل.
وأضاف خطيب أهل السنة: الذين يتلقون الرواتب من بيت المال لأجل تنفيذ العدل والمساواة والأخوة وتوفير الأمن، عليهم أن لا يسمحوا بأن تذهب البلاد نحو الطائفية والاختلافات. ونحن أيضا نرى من مسؤوليتنا أن لا نسمح للعدو بأن يستغل هذه المسائل والقضايا ويشعلوا نيران الفتنة والطائفية في المنطقة، لأن الطائفية تضعف أقوى الأنظمة والشعوب.
فرجاءنا أن تتابع هذه القضية بأفق أوسع ونظرة واسعة؛ والوحدة التي نطلق شعارها لا تأتي من خلال الهتافات ولا الشعارات؛ فلنوقف هذه الهتافات ونقلل منها ونثبت الوحدة في العمل. فلو استطعنا كأهل السنة والشيعة في إيران أن نثبت الوحدة عمليا، عندئذ بإمكاننا أن نصدرها إلى سائر البلاد الإسلامية ونكون أسوة وقدوة لهم في حل اختلافاتهم، ولكن انحصرت الوحدة هنا في الشعارات والهتافات، ولم تأت بنتائج في صعيد العمل.