header

تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في خطبة هذه الجمعة  بعد تلاوة آية “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ”، إلى ضرورة الاعتدال والتجنب من الغلو في تعظيم الشخصيات ومحبتهم قائلا: هذه الأيام أيام وفاة بنت الرسول فاطمة الزهراء رضي الله عنها. كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع بنات هن أم كلثوم ورقية وزينب وفاطمة، وكانت فاطمة أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم سنّاً، وقد زوج أم كلثوم ورقية من عثمان واحدة بعد أخرى، وقد توفيتا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وزوّج زينب من  أبي العاص، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم أبا العاص قائلا: “أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِى فَصَدَقَنِى”، وكان يحب عثمان رضي الله عنه حيث قال: “لو كان لي ثالثة لزوجته”. وزوج فاطمة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان علي من المقربين للنبي صلى الله عليه وسلم وكان هو ابن أبي طالب الذي خدم الرسول، وأسلم علي ولم يبلغ العاشرة من عمره.
وتابع فضيلته قائلا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب جميع بناته وتتضح من الروايات والأحاديث أن فاطمة كانت أحب بناته إليه، وكان صلى الله عليه وسلم يحبها أكثر، وكان يكثر من الذهاب إلى بيتها، وكانت فاطمة أشبه إلى الرسول خلقا وخلقا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
في رواية لصحيح البخاري “فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ” وقال “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة”. تقول الصديقة عائشة رضي الله تعالى عنها: “أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى ، كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْىُ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَرْحَبًا بِابْنَتِى » . ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا ، فَبَكَتْ فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَبْكِينَ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ، فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – حَتَّى قُبِضَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ أَسَرَّ إِلَىَّ « إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِى الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِى الْعَامَ مَرَّتَيْنِ ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِى ، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِى لَحَاقًا بِى » . فَبَكَيْتُ فَقَالَ « أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِى سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ – أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ » . فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ”.
وأضاف قائلا: الأحاديث والروايات في كتب أهل السنة لقد ذكرت مناقب أهل البيت والصحابة ومناقب أمهات المؤمنين، وأهل السنة يحترمون أهل البيت وأمهات المؤمنين كما يحترمون الصحابة رضي الله تعالى عنهم. لكن الشيء الذي يؤسفنا أن العالم الإسلامي أصيب بالغلو وبالإفراط والتفريط، وأصبحت الأمة الإسلامية مفرطة في بعض القضايا والأمور وغالية في بعضها، وخير الطريق طريق الاعتدال، وخير الأمور أوسطها.
وتابع فضيلته قائلا:  فمثلا بالنسبة إلى التصوف والعرفان، بعض المسلمين أصبحوا ينكرونه تماما والبعض الآخر فتحوا منه محلات تجارية، مع أن العارف أو السالك ليس من يراجعه الناس للتمائم والرقى، بل التصوف الحقيقي هو إتباع الشريعة والإخلاص، وأن يزكي الإنسان نفسه ويطبق أحكام الشريعة على نفسه ويتبع السنة النبوية ويهتم بإصلاح نفسه وإصلاح غيره.
هناك من ملأ التصوف بالخرافات والرقص والأغاني وأمور خارقة للعادة من أكل الزجاج ليثبتوا أنهم أصحاب كرامات، وليست كل ما تصدرعن الإنسان من خوارق للعادة دليل على كرامته وجلالته، إذا كان كذلك فالمرتاضون الهنود الذين تصدر منهم أمور خوارق للعادة أصحاب كرامات.
وتابع فضيلته قائلا: عندما نطالع كتب ومؤلفات الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ أحمد السرهندي وهما من كبار المشائخ، نراها مليئة بنصائح وتوجيهات حول التزكية والإخلاص وإتباع الشريعة، ولا نرى فيها أثرا من هذه الخرافات ولا الاستغاثات بغير الله تعالى والاستمداد من أولياء الرحمن، ونرى أن العرفان عندهم هو التوحيد، وأهل العرفان هم من يمارسون الوحدانية الإلهية واتباع السنة النبوية. وإن جلست معهم في مجالسهم تجد ذكر الله تعالى.
وأضاف فضيلته قائلا: قد حذر الله تعالى في القرآن الكريم من الغلو في الدين، والواجب أن تكون محبة الأنبياء والأولياء في حدودها التي حددتها الشريعة، فقد حذر الله تعالى النصاري بأن المسيح عبد الله وليس الرب ولا إبنه ولا ثالث ثلاثة، وقد حذر الله تعالى اليهود بأن عزير ليس ابن الله، ويحذر المسلمين من أن يسلكوا خطى اليهود والنصارى. وفي الحديث الشريف: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله”. النصارى جعلوا عيسى عليه الصلاة والسلام ابن الله فلا تفعلوا أنتم. فلا نصف النبي بالصفات التي هي خاصة لرب العالمين مثل علم الغيب وغيرها.
واستطرد فضيلته  قائلا: هناك فضائل ومناقب للصحابة والخلفاء الراشدين وأهل البيت. إنهم جميعا كانوا عبادا لله تعالى وكانوا من المقربين، ومع ذلك كانوا محتاجين إلى الله تعالى لدنياهم ولآخرتهم.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى التهمة التي يوجهها بعض الشيعة إلى عمر رضي الله عنه باستشهاد فاطمة، قائلا: الصحابة وأهل البيت كانوا معا، ولم يكن بينهم عداوة ولا بغضاء، ولا يقبل العقل ولا النقل أن يقوم أحد بالإساءة إلى بنت النبي صلى الله عليه وسلم، مسلما كان أو غير مسلم.
وتابع قائلا: فأين على بن أبي طالب فاتح خيبر وأسد الله، من أن يسيء أحد إلى زوجته بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، وأين عمر بن الخطاب والمهاجرون الذين تحملوا مشاق الهجرة وتحملوا أصعب الظروف والشرائط يوم أحد ويوم الأحزاب فلم يخذلوا النبي صلى الله عليه وسلم، من أن يسيء أحد إلى بنت رسول الله سيدة نساء أهل الجنة!
قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: “والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب إلي أن أصل من قرابتي”، والإختلاف بين الصديق وفاطمة الزهراء كانت جزئية حول ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانت زوجة أبي بكر الصديق هي التي تقوم بخدمة الزهراء قبل وفاته وتتردد إلى بيتها.
وتابع فضيلته قائلا: علينا أن نحترم جميع الصحابة وأهل البيت ونحبهم، ومن لوازم هذه المحبة أن نتبع سيرتهم، فهؤلاء جميعا أئمتنا وقادتنا، ولا تكن المحبة مجرد شعارات وهتافات فارغة.
وأضاف قائلا: من الضروري أن يجتنب طوائف الأمة الإسلامية من النزاع والخلاف، وليعمل كل طائفة حسب معتقده، والرجاء أن لا يسيء أحد إلى الصحابة،  فالإساءة إلى الصحابة تجرح مشاعر أكثر من مليار مسلم في العالم.
وتابع: أهل السنة والشيعة يعيشان في وطن واحد ولنا أخوّة في الإسلام والوطن، فيجب أن تحافظ حرمة الصحابة في الجرائد والصحافة ووسائل الإعلام وتجتنب الإهانة، فالإهانة لا تجوز في أي مذهب ودين.
واستطرد فضيلته قائلا: أهل السنة إن كانوا خاطئن فلا يتحمل الشيعة وزر أخطائهم يوم القيامة، وكذلك الشيعة إن كانوا على الخطأ فلا يسئل أهل السنة عن أخطائهم، والمهم أن يعيش الفريقان في البلاد جنبا إلى جنب بمراعاة حقوق البعض واحترام الآخر، لأن الله تعالى يسئل عن الحقوق والحرمة والاحترام.
وأضاف قائلا: الوحدة والأخوّة تحصل بمراعاة الحقوق والاحترام إلى أهل السنة ومقدساتهم، وأن تحافظ الحرية الدينية والمذهبية لهم في هذا البلد، وتوفر أيضا الحرية للشيعة في أي بلد يعيشون من البلاد الإسلامية.

1984 مشاهدات

تم النشر في: 29 أبريل, 2012


جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي Copyright ©