تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة، في خطبته التي ألقاها أمام عشرات الآلاف من المصلين في الجامع المكي بمدينة زاهدان، يوم الجمعة، إلى بعض المضايقات التي يتعرض لها أهل السنة في إيران في قضاياهم المذهبية والدعوية.
وقال فضيلته ردا على مزاعم كاتب ألّف كتابا حول حركة “الدعوة والتبيلغ” و حذّر المسؤولين الإيرانيين في كتابه من نشاطات هذه الحركة وزعم أن هذه نشاطات لتقريب أهل السنة بعضهم من بعض، كما أوصاهم أيضا بأن يقوموا بالصد من نشاطات هذه الحركة: من كتب هذا الكتاب وجمع هذه الإدعائات واختلق هذه المزاعم، نعتقد أنه سيبتلى بعذاب الله في الدنيا والآخرة إن شاء الله.
وتابع قائلا: نشهد في الآونة الأخيرة مضايقات في نشاطات حركة الدعوة والتبيلغ، وهذه المزاعم خاطئة وتحليلات هذا الشخص باطلة، وقد جانب الحق والصواب في مقالاته حول هذه الحركة الدعوية العالمية.
أهداف حركة الدعوة والتبليغ:
واستطرد فضيلته مشيرا إلى وضوح أهداف حركة التبليغ قائلا: إن حركة الدعوة والتبليغ حركة عالمية للدعوة، وهي الحركة الوحيدة التي تنشط في كافة بلاد العالم، وحركة إصلاحية، يعلم الجميع أنها غير سياسية، وإن مؤسسي هذه الحركة لما رأوا الفساد والذنوب والمعاصي بين الأمة الإسلامية بادروا إلى تأسيسها بهدف إصلاح المجتمع، وهي حركة تأخذ شرعيتها من الآيات القرآنية والنصوص الدينية، فقد قال الله تعالى: “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، وقال تعالى: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”. فعلى الجميع أن يقوموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن من المفروض أن تكون فئة خاصة من الأمة تقوم بهذه المهمة وتفكر في إصلاح المجتمع. بناء على هذه النصوص القرآنية أسست هذه الحركة الإصلاحية وهي منذ عقود تنشط في العالم وتسعى في إصلاح الناس، ولا تتابع أهدافا سياسية، بل هدفها الأصلي إصلاح المجتمع ونشر القيم الأخلاقية، وأن يرجع الناس إلى الإسلام من جديد.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: بفضل جهود هذه الحركة لقد اهتدى الملايين من المسلمين من ضلالاتهم والتزموا الأخلاق والشريعة، وهي حركة تخالف التطرف والقتل، بل شعارها “إدفع بالتي هي أحسن”، وهي لا تتعلق بمذهب دون مذهب، ولا تطرح فيها المسائل المثيرة للجدل والاختلاف بين المسلمين.
لا بقاء لمذهب بغير التعليم والتبليغ:
واستطرد فضيلة الشيخ قائلا: من لوازم بقاء كل فكر أو مذهب، أصلان: الأول تعليم ذلك المذهب، والثاني تبليغ تلك الفكرة والمذهب لأتباعه. المذهب الذي يفقد هذين الأصلين، فذلك المذهب معرض للزوال.
وأردف بالقول: إن دستورالبلاد قد ضمن لنا هذين الأصلين، فنحن أحرار وفق الدستور في تعليم مذهبنا وتبليغه، وأن لا تتدخل مؤسسة أو دولة في تبليغ المذهب وتعليمه.
وأضاف قائلا: نحن لم نقترب أبدا من الخطوط الحمراء للنظام، وراعينا الخطوط الحمراء للشيعة أيضا، لأننا ننادي بالأخوّة والوحدة، وليست الوحدة السياسية، فالوحدة التي ندعوا إليها ليست مثل وحدة أوربا وأمريكا، بل هي وحدة صادقة. نحن لا نسمح بمجازوة الخطوط الحمراء للشيعة، ونرجوا من المسؤولين أيضا أن لا يسمحوا ببعض العناصر المتطرفين أن يفرضوا سلائقهم علينا وعلى قضايانا المذهبية، ويجاوزوا الخطوط الحمراء المذهبية للسنّة.
وأكد فضيلته أن أهم شيء لأهل السنة أن تحفظ حريتهم الدينية، قائلا: من حقنا كإيرانيين أن نكون مستقلين في قضايانا التعليمية والدعوية، فإننا أهل هذه البلاد، وقد ضحّينا من أجل سيادة الأراضي، وأطالب بكل صراحة الاستقلال المذهبي الذي أعطانا الدستور.
وتابع فضيلته مشيرا إلى مشاركته في بعض المؤتمرات في السنوات الماضية قائلا: كلما سافرت إلى بلد للمشاركة في مؤتمر أو سافرت للحج أو العمرة، ولقيت مسؤولين لبعض البلاد، تحدثت إليهم عن أحوال الشيعة في بلادهم، وكان جواب بعضهم أنه لا تمييز بين الشيعة والسنة، وقد طالبتهم بمراعاة حقوق الأقلية الشيعية في بلادهم، وأنا لست ذا الوجهين أتحدث هناك شيئا ثم أقول هنا شيئا، ولا أكذب.
وتابع قائلا: مع الأسف قد احتجز جواز سفري ولم أوفق للسفر منذ مدة.
بعض المضايقات التي يتعرض لها أهل السنة:
وأشار فضيلة الشيخ إلى بعض المضايقات التي يتعرض لها أهل السنة في أنحاء البلاد، مقدما شكواه واعتراضه إلى المسؤولين في محافظة كرمان (المجاورة لمحافظة سيستان وبلوشستان، حيث كان من المقرر أن يسافر فضيلته إلى إحدى مناطق هذه المحافظة، فقام مسؤولوا هذه المحافظة بالمنع، قائلين لا تدخلوا محافظتنا): من حق كل إيراني أن يسافر إلى أي مدينة أو محافظة في إيران، وإن جاء الكرمانيون إلى بلوشستان نرحّب بقدومهم، ومن حقهم أن يدخلوا محافظتنا. نحن دعاة الوحدة ولسنا دعاة الطائفية والفرقة.
في السنوات الأخيرة، منع المسؤولون في “كرمان” أهل السنة من صلاة العيد والجمعة التي كانت تقام منذ ثلاثين سنة؛ صلاة يعبد فيه الرب. السني يعبد الله في المسجد، والشيعي يعبد الله أيضا. نحن نعبد الله في صلاتنا. إن صلينا في “كرمان” أو “إصفهان” نعبد الله تعالى، فهل يمنع الناس من عبادة الله تعالى؟!
كنا نرجوا أكثر من هذا النظام وقادته علماء الشيعة أن يراعوا حقوقنا الدينية.
وأشار إمام وخطيب أهل السنة إلى التضييق على أهل السنة إذا سافروا إلى منطقة أخرى يقطنها السنّة أيضا، قائلا: مع الأسف يواجه بعض أهل السنة في سفرهم إلى المناطق السنيّة الأخرى داخل إيران، التضييق من قبل العناصر المتطرفين، حيث يستوجوبونهم في نقاط التفتيش، ويقولون لهم: لماذا أنتم تجيئون وتسافرون إلى هذه المنطقة وأنتم من منطقة أخرى؟ أو يضيّقون على إخواننا الشوافع الذين يجيئون إلى بلوشستان للدعوة والتبليغ، ويقولون لهم: أنتم من حركة الدعوة والتبليغ وهي حركة محذورة وممنوعة.
لا تتركوا صلاة الجماعة وإن منعتم وأغلقت مصلياتكم:
وأوصى فضيلته كافة أهل السنة الذين يعيشون في المدن الكبرى والذين أغلقت السلطات أماكن صلاتهم فيها، بإقامة الصلاة في بيوت مستأجرة، وأن لا يتركوا صلاة الجماعة فيسلط الشيطان عليهم، وأضاف: دائما نذكر مساوئ الغرب والأوربيين، ولا شك أن عندهم مساوئ كثيرة من الروح الاستبدادية لدى بعض هذه الدول واحتلالهم لبعض البلاد وفسادهم فيها، ولكن الحرية الدينية التي توجد في هذه البلاد مخجلة لبعض البلاد الإسلامية، فعواصم أوروبا مليئة بالمساجد. في السنة الماضية كانت خمسين ختما لكتاب الله في مساجد موسكو في شهر رمضان.
وكان الواجب على البلاد الإسلامية أن يملكوا سعة الأفق وقبول الآخرين، وأن يراعوا الحريات الدينية والمدنية. نحن مخالفون للتطرف والعنف وقتل الأبرياء، وندين هذه الأعمال دائما، ونلتزم بالقانون، ونطالب بأن تراعى حقوق كافة الأقوام والطوائف، ولا شك أن مراعاة هذه الحقوق تكون نافعة في الوحدة الوطنية وفي تثبيت قواعد النظام، ونحن كأهل السنة سنضحي للدفاع عن كل شبر من أراضي بلادنا حالة تعرضها للإعتداء من قبل الأعداء، ولكن في قضايانا المذهبية فلا نسمح لأحد بالتدخل فيها.