header

تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في خطبة هذه الجمعة بعد تلاوة قول الله تعالى “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” وآية “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”، إلى أن التقوى هي المخرج عن الفتن والمشكلات قائلا: العالم الذي نعيش فيه، عالم المادة والقوة وعالم المعاصي والذنوب والمفاسد. لا أعني أن الدنيا لا توجد فيها العدالة ولا المعروف، بل المفاسد والمنكرات كثيرة وعامة، وقد اكتسحت البلاد كلها، وأصبح العالم عالم المال والقوة، وعالم الفتن وتضييع حقوق الضعفاء. فالذي يملك القوة والمال يفعل ما يشاء، وتظهر أيضا فتن مختلفة، ونرى كيف تضيع حقوق الأقليات في الكثير من البلاد مثل البلادالإفريقية. لقد ندرت العدالة والإنصاف في العالم. وكثرت الغفلة والمعاصي والبعد عن الله عز وجل.
وتابع فضيلته مشيرا إلى اقتراب السنة الميلادية الجديدة: هذه الأيام أيام ميلاد المسيح، وأيام مولد إنسان صالح ونبي من أنبياء الله تعالى، ولكن كم من المعاصي ترتكب في أنحاء العالم من الخلاعة وشرب الخمور وأنواع من المفاسد والأعمال المغايرة للرسالة التي بعث بها المسيح في احتفالات عيد الميلاد في هذه الأيام.
وأضاف فضيلته قائلا: لقد كثرت المعاصي والمنكرات والمفاسد حتى في مواليد أنبياء الله وأوليائه، لأجل ذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه “اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ”، جعل قبور الأنبياء والأولياء مساجد من المنكرات والمعاصي لأن السجدة لا تجوز للأنبياء ولا للأولياء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم “لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”. نرى كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المرسلين ورحمة للعالمين وإمام المتقين يدعو الله تعالى  أن لا يكون قبره وثنا يعبد، وكان صلى الله عليه وسلم خائفا على أمته، لأن المحبة ربما تخرج الإنسان عن إطار الشريعة وتكون سببا للغلو والإفراط، كما كان في أتباع المسيح، حيث جعل بعض النصارى المسيح إلها، وقال آخرون هو ابن الله، وقال طائفة المسيح ثالث ثلثة، وجعلوا الله والمسيح وروح القدس ألهة ثلاثة، وصرح القرآن الكريم “وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم”ُ.
وتابع فضيلته قائلا: ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسجدا إلى يومنا هذا، ولا مكانا للعبادة، بل مكان الصلاة والسلام عليه. وبقرب المكان الذي دفن النبي صلى  الله عليه وسلم وهي حجرة السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، يعبد الله تعالى، ويسجد له، والحمد لله المسلمون لا يعملون تلك المعاصي والمنكرات التي يرتكبها الأمم الأخرى من نداء أنبياء الله والاستغاثة بهم والسجدة لمقابرهم.
واستطرد فضيلته قائلا: الذنوب  والمعاصي والمنكرات والفتن كثيرة في عالمنا، وهي فتن تنبأ بها النبي عليه الصلاة والسلام وسأل سيدنا علي رضي الله تعالى عنه عن المخرج من هذه الفتن، فقال صلى الله عليه وسلم: “كتاب الله”. نعم! كتاب الله والتمسك به سبب نجاة الأمة وإنقاذه من الفتن. هذا الكتاب فيه قصص وحكايات الأمم السابقة وطريق فلاحهم ونجاحهم في مواجهة الفتن. لقد تحدث عن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وبني إسرائيل عندما كانوا في مواجهة فرعون، وعن هود عليه الصلاة والسلام في مواجهة عاد، وعن صالح في مواجهة ثمود، ماذا فعلوا؟ وكيف نجحوا في مواجهتهم للكفر والإلحاد؟
وأضاف فضيلته قائلا: بيّن الله تعالى أن التقوى كان المخرج لهم من كافة المشاكل في الحياة، وبيّن أن الناجحين من الأمم السابقة كانوا قد تزودوا بالتقوى. قال الله تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب”. والتقوى والصبر والاستقامة من أهم طرق النجاة.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: المشكلات في الحياة كثيرة، وربما يحاول بعض ضعاف النفوس وخاصة النسوة الانتحار للنجاة منها، مع أن هذه البلايا والمحن كلها من جانب الله للامتحان،  والنجاة منها ليس الانتحار، بل الصبر والاستقامة والتزام التقوى وفعل الحسنات. لأن التقوى من التعاليم البارزة في القرآن الكريم، ولقد أوصى القرآن بها مرارا، فعلى المسلم أن يتزود بهذا السلاح ويعمل صالحا، ويجتنب المعاصي، ويختار الصبر، ويرفع أيدي التضرع والابتهال نحو الرب تبارك وتعالى، ويتيقن بأن الله سيجعل له مخرجا عن كل مشكلة إذا كان متقيا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه،  فقال أحدهم اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي أبواي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال ففرج عنهم.  وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أني أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء فقالت لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار فسعيت حتى جمعتها فلما قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة، قال ففرج عنهم الثلثين.  وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته وأبى ذلك أن يأخذ فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ثم جاء فقال يا عبد الله أعطيني حقي فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك فقال أتستهزئ بي ؟ قال فقلت ما أستهزئ بك ولكنها لك اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا، فكشف عنهم.
وتابع إمام وخطيب أهل السنة قائلا: هكذا تكون الحسنات والخيرات واتخاذ التقوى والصبر والاستقامة والتضرع إلى الله والتوبة إليه سببا لنجاة الإنسان. لقد أكد القرآن الكريم على التوبة والاستغفار في جميع مراحل الحياة، فلا بد من الاستغفار ونداء الله تعالى، ولنعلم أن الله تعالى هو المفرج عن الكرب، وهو يرفع المشكلات البلايا، وهو المجيب للسائلين والمحتاجين عند مواجهتهم  للمشاكل. قال الله تعالى: “وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو”.
وأضاف فضيلته معتبرا الغفلة وكذلك تفويت الصلاة ظلما على النفس: يقول البعض نحن لا نصلى ولكن لا نضيع حق الغير ولا نظلم على أحد، ولكن تفويت الصلاة هو أكبر ظلم على النفس. يكون الإنسان ظالما في حقه بترك الصلاة والتكاسل في تأدية الصلاة. والذي يرتكب المعاصي والذنوب يظلم على نفسه.

2115 مشاهدات

تم النشر في: 13 يناير, 2012


جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي Copyright ©