header

أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان في خطبة هذه الجمعة إلى انتصار الأحزاب الإسلامية بأغلبية الأصوات، معتبرا إياه امتحانا لهذه الأحزاب، قائلا: أردت أن أوجّه رسالة نصح وشفقة إلى تلك البلاد الإسلامية التي انتصرت فيها الثورات وفازت الأحزاب الإسلامية بأغلبية الأصوات في الانتخابات، لأن الشعوب في كل من هذه البلاد، وصلوا إلى هذه النتيجة بأنها لا يمكن الوصول إلى حياة كريمة مطمئنة إلا من خلال الدين. فالأحزاب الإسلامية والدينية اليوم في امتحان عظيم، ونصيحتي لهؤلاء الإسلاميين أن لا يكون الإسلام الذي ينادون به إسلام الهوى والنفس، وإسلاما مصطنعا من عند أنفسهم، بل عليهم أن يتمسكوا بإسلام القرآن والسنة، وإسلام الخلفاء الراشدين والصحابة رضي الله عنهم.

وتابع فضيلته قائلا: لا تعملوا حزبيا ولا تحصروا الإسلام  في إطار مذهب ولا حزب، ولا تجعلوه إسلاما طائفيا تحرموا به الآخرين. اعملوا في نطاق أوسع من الحزب والطائفة. اعملوا بشكل يطمئن الشعوب من ناحيتكم، وإن كانت شعوب أوروبا، ويتيقوا بأنكم حملة رسالة للبشرية، وأنكم منفذوا العدل والمساواة، وقدّموا إسلاما فيه العدل وسعة الأفق وتحمل الغير.
وأضاف فضيلته قائلا: يجب أن تكون العملية السياسة وكذلك تنفيذ العدل بشكل لا ينزجر الشعوب من إسم الإسلاميين؛ فالشعوب الحرة في العالم يرجون منكم أن تقدموا إسلاما فيه سعة الأفق والنظر، وتقدّموا إسلاما تراعى فيه حقوق كافة أصحاب الحقوق، وإن كانت القوى العظمى في عالمنا لا يتحملون مثل هذا الإسلام لأجل انحرافهم عن الاعتدال والمنهج السليم.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: لا مكان للعنف والتطرف في الإسلام، ولم يكن المسلمون في بداية الإسلام يملكون جيشا يحكم عليهم، بل كانت تغلب عليهم الثقافة الإسلامية والعمل بتعاليم هذ الدين، لذلك كان عامة الناس يحضرون بأموالهم وأنفسهم عند مواجهة الأخطار ومحاربة الأعداء. فينبغي أن نقدّم صورة الاعتدال وتحمل الغير في الإسلام للشعوب في أنحاء العالم.

الضرورة ماسة إلى تقديم نموذج من الإسلام تتغير رؤية العالم بالنسبة إلى الإسلام
ودعا إمام وخطيب أهل السنة الأحزاب الإسلامية إلى تقديم نموذج مثالي من الإسلام بمراعاة حقوق المواطنة والعدل بين المواطنين وسعة الأفق، قائلا: نصيحتي لإسلاميي تونس ومصر أن لا يعملوا حزبيا ولا طائفيا، ولا يضيقوا المجال على المعارضين والمخالفين، ويوسّعوا أنظارهم ويحذروا من تضييع حقوق أتباع الأديان والأحزاب الأخرى، ويراعوا حقوق الجميع، إلى أي حزب أو طائفة كانوا ينتمون. ويقدّموا نموذجا من الإسلام يكون أسوة للعالم، ويثبتوا حقانية هذا الدين، ويضمنوا كرامة البشر وسعادته، حتى تتغير رؤية الناس بالنسبة إلى الإسلام.
وتابع فضيلته قائلا: العالم اليوم خائف من الإسلام والإسلاميين، وخائف من أن يصل الإسلاميون إلى الحكم والدوائر الحكومية، فالضرورة ماسة إلى تقديم نموذج من الإسلام تتغير رؤية العالم بالنسبة إلى الإسلام من خلال هذا النموذج.
نحن نتأسف ونتحسر اليوم على أننا لا نملك نموذجا وصورة عملية من الإسلام في عالمنا اليوم، ونماذجنا مضت في التاريخ، وشعوب العالم تنظر إلى النماذج الحية. من نماذجنا كان أبوبكر الصديق الخليفة الراشد الأول رضي الله عنه، حيث قال عند توليه منصب الخلافة بعد المبايعة: “وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم فإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُوني. الصِدْقُ أمانةٌ والكَذِبُ خِيَانَةٌ . والضعيفُ فيكم قويٌّ عندي حتى أرجعَ إليه حقَّه إن شاء اللّه، والقويّ فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذَ الحقَّ منه إن شاء اللّه”.
وأسوتنا سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه  عندما تخاصم هو ويهودى فى رمح، وادعى سيدنا علىّ أن الرمح رمحه، وادّعى اليهودى أن الرمح رمحه، عند ذلك طلب القاضى من سيدنا علىّ- وهو أمير المؤمنين- أن يحضر الشهود على أن الرمح رمحه، فأحضر ابنه الحسن، فلم يقبل القاضى شهادة الحسن لأبيه، وطلب من سيدنا على أن يحضر شاهدا آخر، ولم يجد شاهدا غيره، فحكم القاضى بأن الرمح لليهودى، فلما رأى اليهودى ذلك تعجب مما رأى، وأعاد لسيدنا على رمحه، وأعلن إسلامه فى الحال، بسبب ما رآه من عدل القاضى الذى لم يفرق بين مسلم وغير مسلم، ولو كانت الخصومة بين يهودى وبين أمير المؤمنين.
فإن نفذ الإسلاميون مقتديين بهؤلاء النماذج العدل بهذه الطريقة، لا تشوه صورة الإسلام، وتتغير رؤية الشعوب بالنسبة إليهم ويطمئن المسلمون.

الإسلام  دين الاحترام
وتطرق فضيلته في قسم آخر من خطبته بعد تلاوة قول الله تعالى “الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا”، إلى أهمية الإسلام قائلا: الإسلام دين نجد فيه أفضل التعاليم وأرقاها للبشرية، وهو آخر الأديان ودين العصر والزمان. الأديان السابقة كلها كانت لتلك القرون التي مضت، ولكن الله عز وجل أرسل الإسلام خلاصة للأديان السابقة. القرآن الكريم لم يرفض تعاليم الأديان الماضية كلها، ونحن كمسلمين يجب علينا أن لا نفرق بين الأنبياء ونحترم الأديان كلها، ولكن الله تعالى خلص جميع هذه الأديان في القرآن الكريم وفي تعاليم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. فالطريق الوحيد للوصول إلى الله تعالى وإلى سعادة الدنيا والآخرة، هو العمل على القرآن الكريم والإسلام.
وأضاف فضيلته قائلا: لقد حرفت التوراة والإنجيل، ولكن الله تعالى ضمن صيانة القرآن الكريم قائلا: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”، فلو اجتمعت البشرية بكل ما عندها من طاقة وقوة وأرادوا أن يحدثوا تغييرا وتحريفا في القرآن الكريم، لن يقدروا على ذلك، لأن الله تعالى حفظ صيانة القرآن الكريم بقوته.
وتابع فضيلته: الإسلام دين الاحترام إلى الغير. المؤمن والمسلم لا ينبغي أن يسيء إلى نبي من الأنبياء أو دين من الأديان، لكن اليهودية والنصرانية يسيئون إلى الإسلام وإلى الرسول الكريم.
وأضاف: فلاح الدارين يكمن في دين محمد صلى الله عليه وسلم. قال النبي عليه الصلاة والسلام: ” لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِى”. عند اقتراب القيامة ينزل من السماء سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ويدعو إلى القرآن الكريم وإلى الشريعة المحمدية ويهدي الناس إلى هدي المصطفى ويرغبهم فيه.
وتابع فضيلته قائلا: لقد أتى الإسلام بخير التعاليم وأفضلها للبشرية، وعلمنا أن نعبد الله تعالى، وعلمنا أن لو اجتمعت الإنس والجن على أن ينفعونا بشيء لا ينفعون إلا بشيء قد كتبه الله لنا، ولو اجتمعوا على أن يضرونا بشيء لم يضرونا إلا بشيء قد كتبه الله علينا. الإسلام علّمنا التواضع وأننا عبيد ومماليك لله وهو المالك، وعلّمنا التوكل على الله تبارك وتعالى، وأن لا نخشى أحدا إلا الله تعالى، ولا نشتري بآيات الله ثمنا قليلا ونبطن الحق ونخفيه، فإن الضرر والنفع ليسا بيد أحد إلا الله. العزة والذلة بيد الله تعالى، وهو الذي يعز ويذل، ويجعل الفقير أميرا والأمير فقيرا. هو الذي يجعل سجين الأمس رئيسا اليوم، ورئيس الأمس ذليلا اليوم.
وأضاف فضيلته قائلا: الإسلام دين التوكل ودين الإيمان بالله تبارك وتعالى. على المسلم أن لا يؤمن بالمادية ويفتخر بها، لأن المال زائل. الأموال موجودة اليوم وهي زائلة غدا. الحياة موجودة اليوم وليست غدا. الشباب موجود اليوم وغدا يأتي الهرم. لابد من التوكل على الله الحي الذي لا يموت، ولا التوكل على هذه الماديات الزائلة. إن النبي عليه الصلاة والسلام كان شخصا واحدا عندما بدأ دعوته إلى الله تبارك وتعالى في مكة، ولكنه كان متوكلا على الله، ولقد نشر الله  بواسطته نورا عظيما في العالم .
واستطرد فضيلته قائلا: من تعاليم الإسلام الثقة بالنفس والنصح وإرادة الخير لكافة البشرية، وأن يريد الإنسان النفع لغيره وأن يشفق بالناس  جميعا.

 

2117 مشاهدات

تم النشر في: 24 يناير, 2012


جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي Copyright ©