header

تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة هذه الجمعة، إلى شرح آيات من سورة الأنفال، معتبرا سر انتصار المسلمين وسعادتهم في إطاعة الله والرسول و التزام التقوى والإخلاص والتوكل على الله وإقامة الصلاة والاهتمام بفريضة الزكاة.
أشار فضيلته في توضيح آيتي 24 و25 من سورة الأنفال المباركة، إلى أهمية التقوى في سعادة المسلمين وانتصارهم، قائلا: سورة الأنفال المباركة تطرقت إلى معركة بدر التي هي من الغزوات الهامة والحاسمة في تاريخ الإسلام. استطاع المسلمون في هذه الغزة رغم قلة العدد والعدة، أن يتغلبوا على أكبر عدوهم، وأصبحوا أمة منتصرة وفاتحة للبلاد. في الحقيقة بدأت الفتوحات التاريخية للإسلام مع هذه المعركة؛ لأجل ذلك بيّن الله تعالى مطالب هامة مؤثرة في نجاح المسلمين وانتصارهم في هذه الآيات.
وتابع فضيلته قائلا: إن الله تعالى بيّن أن النقطة الأولى والهامّة في انتصار المسلمين هي إطاعة الله والرسول ومراعاة التقوى والورع. فالمسلمون لا يمكن لهم التغلب على أعدائهم إلا إذا تزوّدوا بزاد التقوى، ويطيعوا كافة أحكام الرّب تبارك وتعالى، ويتجنّبوا المحرمات والمعاصي والذنوب واللهو والمكروهات. هذا هو السرّ في انتصار المسلمين في بداية الإسلام وسيبقى سرّ انتصارهم إلى يوم القيامة.
وبيّن فضيلته قوله تعالى “وأصلحوا ذات بينكم”، واصفا  “الاختلاف بين الأشخاص والجماعات” أمرا طبيعا، قائلا: النقطة الثانية التي اعتبرها الله تعالى هامّا في  انتصار المسلمين وعزتهم، هي إصلاح ذات البين؛ لأنها لا يمكن تسوية السلائق المختلفة وتوحيدها. أرشد القرآن الكريم إلى أنه لا ينبغي أن تفضي هذه السلائق المختلفة إلى النزاع والمشاجرة. الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في بعض الأحيان، كما في غزوة بدر اختلفت آرائهم حول أسرى المعركة، حيث أشار البعض إلى قتل الأسرى ورأى آخرون الفدية وتحريرهم. كذلك في غزوة أحد اختلفت آرائهم، لكن هذا الاختلاف لم يفض إلى النزاع بينهم.
وتابع فضيلته قائلا: في العصر الراهن أيضا توجد اختلافات عديدة بين المسلمين؛ بين السنة والشيعة. وكذلك الأحزاب والأقوام والأجنحة السياسية المختلفة التي تعيش بعضها مع بعض توجد اختلافات في العقيدة والرأي. هذه الاختلافات والفروق توجد بين أنواع البشر. لذلك أرشد القرآن الكريم إلى أن لا ينبغي أن تفضي هذه الفروق والاختلافات إلى النزاع والشجار، وأوصى المسلمين إلى سعة الصدر وتحمل بعضهم بعضا، وخاطب الصحابة  قائلا: “فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين”.
وأضاف خطيب أهل السنة قائلا: إن الله تعالى طرح في هذه السورة المباركة، المسائل المتعلقة بحروب المسلمين مع أعداء الدين، والذين يريدون إطفاء نور الشريعة ومحاربة المسلمين. وأيضا بيّن بجانبها مسائل هي معينة على انتصار المسلمين في هذه الحروب. واعتبر فضيلته أصول هذا الانتصار في التقوى وإطاعة الله والرسول والوحدة، مؤكدا أنه لا يمكن النصر من دون الاهتمام بهذه المسائل.
وأشار فضيلته إلى آية “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”، معتبرا “الإيمان والتوكل على الله تعالى” من شروط  الانتصار، قائلا: إن الله تعالى خاطب المسلمين في هذه الآية أن لا يقلقوا ولا يحزنوا، لأنهم إذا كانوا مؤمنين صادقين، سيكونون منتصرين. بيّن الله تعالى صفة المؤمنين الصادقين في موضع آخر، قائلا “إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون”.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: المؤمن الصادق يتوكل على الله تعالى، لا على العدد والعدة. إن كانت العدة والاستفادة من الآلات ضرورية، لكنها لا ينبغي التوكل عليها. المؤمن الصادق يتوكل على الله تعالى، ويعتبر النصر من جانب الله عز وجل، لا من الأسباب. لقد بيّن الله عز وجل هذ المطلب على لسان الأنبياء في آيات مختلفة “وعلى الله فليتوكل المتوكلون”. لأجل هذا، التوكل على الله يعتبر سر الانتصار على الأعداء وكافة المشكلات المادية.
وتابع رئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان، قائلا: إن الله تعالى بيّن في آخر هذه الآية أن عملين لهما تأثير كبير في انتصار المسلمين، وقال: “الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون”. في الآيات الأولى ذكر الله تعالى مسئلة الإيمان والتقوى والتوكل على الله عز وجل؛ وفي هذه الآية تطرق إلى مسئلة إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقة. إنما يكسب أسباب ووسائل السعادة من أقام الصلاة بجانب التقوى والإيمان والتوكل على الله وأعطى الزكاة. ورد في الحديث أن المؤمن يحفظه الله تعالى من المضرات مادام يحافظ على الصلوات، والمسلم الذي ضيّع الصلاة ولم يعمل صالحا لا يوجد ضمان من جانب الله لحفظه.
النبي صلى الله عليه وسلم أقام الصلاة عند الخوف والشدائد في المعارك، وصلى راكبا على الفرس والإبل. الصحابة في ميدان الحرب أقاموا صلاة الخوف. وهذا يدل على أن الصلاة ضرورية وهامّة، ولا يمكن النصر ولا الفلاح من غير الصلاة. لأجل هذا جعل الله تعالى الصلاة والإنفاق في سبيل الله تعالى لأجل انتصارنا،  وهذا يدل على أنه لا يوجد عمل أفضل بعد الصلاة من الزكاة والصدقات والإنفاق في سبيل الله عز وجل. يقول الله تعالى “يمحق الله الربا ويربي الصدقات”. االصدقات في سبيل الله تحول دون الفقر والمسكنة، بل توسع الرزق وتفتح أبواب سعة الرزق في الدارين.
وأردف: الربا وإن كان يزيد في المال ظاهرا، لكن الله تعالى قال إنه يمحق الربا ويزيد في الصدقات. كذلك الصدقات سبب للبركة في الأعمار، وتكون سببا لمغفرة الذنوب وإطفاء غضب الرب. ورد في الحديث الشريف “فاتقوا النار ولو بشق تمرة”.
واستطرد عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قائلا: قال الله تعالى في آخر هذه السورة “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم”. وفي هذه الآية إشارة إلى أن انتصارنا وكافة الشعوب يكمن في إطاعة الله والرسول الكريم.
وتابع فضيلته: المؤمن يستمدّ قوته من تعاليم القرآن الكريم. في القرآن يهب الحياة للإنسان ويكونه. بناء العمارات والطرق والمساجد سهلة جدا، لكن تكوين الإنسان صعب، ولا يمكن إلا بالقرآن الكريم.
وأضاف فضيلة الشيخ قائلا: بناء البشر وتكوينه يتم من خلال العمل على القرآن الكريم والتحرك وفقا لتعاليمه. البشر في عصر الصحابة اتجهوا إلى العمل على القرآن الكريم وأغرموا به، وأصبحوا نماذج من الإنسان الحقيقي، وأصبحوا أسوة في العالم، ولهم مكانتهم الراسخة العالية في قلوب محبيهم، وخلدوا لأنفسهم ذكرى طيبة وجميلة، واكتسبوا مرضاة الله تعالى ودخلوا الجنة إن شاء الله.
وأردف فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: على المسلمين في عصرنا أن يدركوا جيدا أن روح الإخلاص لا تنفخ فيهم ما لم يجعلوا القرآن والسنة برامج حياتهم. علينا أن نسعى لإعادة القرآن إلى حياة المسلمين. يجب أن تعقد جلسات لتعليم القرآن والتفسير والسيرة في الكتاتيب والمدارس والمساجد، لأن هذه الجلسات تنفخ الروح في الأمم والشعوب، وتقيم فيهم الثورات.

1976 مشاهدات

تم النشر في: 9 أبريل, 2013


جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي Copyright ©